المصالح المرسلة ليست من البدع

وأشكل على بعضهم هذا فقال: كيف تقولون: لا إحداث ولا بدعة حسنة، بينما جاء عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس على إمام واحد، في التراويح في قيام الليل حينما كانوا يقومون جماعات أوزاعاً، ثم قال: نعمت البدعة؟ فكيف سماها بدعة ووصفها بأنها نعمة، والنعمة ضد النقمة والبأس؟

صلى الله عليه وسلم من جاء بعمل لم يكن سابقاً، ولكنه من أمر الدين بمعنى: لم يخالف نصاً في كتاب الله، ولم يعارض نصاً من سنة رسول الله، بل يؤيد ويخدم ما جاء به كتاب الله وسنة رسوله، فهذا من أمرنا وليس بعيداً ولا غريباً عليه.

ومن هنا قالوا: لقد جمع القرآن ولم يكن مجموعاً من قبل، فهل كان جمع القرآن حدثاً في ديننا؟ نعم هو أمر جديد، ولكن الصديق رضي الله عنه لما أشار عليه عمر بذلك نظروا في ذلك، فإذا جمع القرآن من صلب الدين، فشرح الله صدر أبي بكر لما قاله عمر، ووافق زيد وأبو بكر عمر فيما قاله، فهل كان القرآن مدوناً من قبل؟ لا، تدوينه محدث، وجمعه في صحف شيء جديد محدث لم يكن من قبل، ولكنه نصر للدين ومن صلب الدين؛ لأنه يحفظ الدين بكليته، ويحفظ كتاب الله من الضياع.

وكذلك السنة هل كانت مجموعة؟! ما كان هناك صحيح البخاري ومسلم، ولا السنن كلها، وما كان هناك المسندات: مثل مسند أحمد، لم تكن هذه العلوم مدونة، ومن ثم جمعت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويمكن أن نقول: بداية تدوين السنة كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقول أبي هريرة لما قالوا: أكثرت يا أبا هريرة! فقال: لم يكن أحد أحفظ مني إلا عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لأنه كان يكتب وأنا لا أكتب.

ولما قالوا لـ عبد الله بن عمرو: (إنك تكتب كل شيء عن رسول الله، ورسول الله بشر يغضب ويرضى، فسأل رسول الله، فقال: اكتب، فإني والله! لا أقول إلا حقاً) .

إذاً: تدوين السنة كان من قبل، وقد كتب رسول الله للعمال ما يتعلق بأنصباء الزكاة، وما يتعلق بمقادير الديات، إلى غير ذلك.

ثم وجد بعد ذلك علم النحو، وعلم الفقه، وعلم الأصول، وعلم المصطلح، وكل هذه العلوم دونت فيما بعد، فهل هذه محدثات في الدين، أو هي من صلب الدين؟ من صلب الدين.

إذاً: قوله: (من أحدث في أمرنا) أي: شيئاً جديداً لا صلة له بالدين، (فهو رد) ، أما إذا كان من صلب الدين أو يخدم ما جاء به الدين، فليس رداً.

وكما قالوا في جمع القرآن الكريم ولم يكن موجوداً، كذلك أيضاً تدوين الدواوين بأسماء المجاهدين كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه، فإنه سجل أعطيات المهاجرين والأنصار فيما يتعلق بالغنائم وبالفيء.

يقولون في الأصول: الإسلام جاء بجلب النفع ودفع الضر، فكل ما فيه جلب نفع للمسلمين فهو داخل في ديننا، ولكن النفع ليس متروكاً لأهواء الناس ولرغباتهم، ولكن ما شهد به الدين، وهذا باب المصالح المرسلة، وهو مفتوح على مصراعيه، فكل مصلحة لم ينفها الإسلام، وإن لم يأمر بها، لكنها تخدم جانباً من الجوانب الخمسة التي جاء الإسلام بحفظها وتدعيمها، وشرع الحدود لحفظها، فجمع القرآن وتدوين السنة وعمل الدواوين كل هذا لحفظ الدين، وكذا تدوين العلوم التي تخدم القرآن الكريم، وحفظ العقول بتحريم كل ما يضيع العقل، وكذلك حفظ النفس، وحفظ الأموال، وحفظ الأعراض، وحفظ الأنساب، فكل ما يعين على حفظ هذه الأمور فهو من الدين؛ لأن الإسلام جاء بذلك كله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015