مقدمة في بيان الأسباب التي دعت إلى التحدث عن موضوع التربية

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

فاللهم! اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصلّ -اللهم- وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.

أما بعد: فحيا الله أصحاب الوجوه الطيبة المشرقة، وزكى الله أنفسهم، وشرح الله صدروهم، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجمعني وإياهم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وأخص بالتحية مربية الأجيال وصانعة الرجال، التي تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها، تهز المهد بيمينها، وتزلزل عروش الكفر بشمالها، فمرحباً مرحباً بك يا صاحبة النقاب والحجاب في عهد الغربة الثانية للإسلام التي أخبر عنها النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فحياك الله يا صاحبة النقاب ويا صاحبة الحجاب.

يا درة حفظت بالأمس غالية واليوم يبغونها للهو واللعب يا حرة قد أرادوا جعلها أمة غربية العقل غريبة النسب هل يستوي من رسول الله قائده دوماً وآخر هاديه أبو لهب وأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطى حمالة الحطب فلا تبالي بما يلقون من شبه وعندك الشرع إن تدعيه يستجب سليه من أنا من أهلي لمن نسبي للغرب أم أنا للإسلام والعرب لمن ولائي لمن حبي لمن عملي لله أم لدعاة الإثم والكذب؟ وما مكاني في دنيا تموج بنا في موضع الرأس أم في موضع الذنب؟ هما سبيلان يا أختاه ما لهما من ثالث فاكسبي خيراً أو اكتسبي سبيل ربك والقرآن منهجه نور من الله لم يحجب ولم يغب فاستمسكي بعرى الإيمان واعتزي وصابري واصبري لله واحتسبي وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني وأحبابي جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعني وإياهم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته، وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين في جنته ومستقر رحمته؛ إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

أيها الأحبة الكرام! هذه هي السلسلة المنهجية التي ابتدأناها في أحد المساجد الطيبة المباركة، والتي عنونا لها بهذا العنوان: (التربية لماذا؟) .

وليعرني القارئ قلبه وسمعه؛ فإن المواضيع المنهجية تحتاج إلى حسن متابعة وشدة تركيز؛ حتى لا يشتكي القارئ من صعوبة الطرح، أسأل الله سبحانه أن يذلل لي ولكم الصعاب، وأن ييسر لي ولكم الأسباب، وأن يفتح لي ولكم؛ إنه هو الفتاح الوهاب.

أيها الحبيب الكريم! هناك أسباب هي التي دعتني لطرح هذا الموضوع الهام ولخصت هذه الأسباب في التالي: أولا: الصحوة الإسلامية المباركة فإن هذه الصحوة في أمس الحاجة الآن إلى منهج تربوي أصيل يقود خطها ويصحح سيرها ومسراها؛ حتى لا تتعامل هذه الصحوة تعاملاً خاطئاً مع النصوص الخاصة أو العامة بوضعها في غير موضعها، أو بالاستشهاد بها في غير محلها، أو بدون تحقيق المناطات الخاصة أو العامة التي لابد منها للربط ربطاً صحيحاً دقيقاً بين دلالات هذه النصوص وحركة الواقع.

إن هذا المنهج التربوي هو الذي يحفظ الصحوة من الانسياح والذوبان في هذه المناهج المنحرفة، وهو الذي سيحفظ على الصحوة جهدها، فلا يضيع جهدها سدىً كما يضيع ماء الأمطار بين الوديان والشعاب.

السبب الثاني: هو الذوبان في بوتقة المناهج التربوية الغربية الدخيلة، لاسيما بعدما هزمت الأمة هزيمتها النفسية النكراء يوم أن تخلت عن أصل العز والشرف وراحت تحاكي أمم الشرق الملحد وأمم الغرب الكافر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

هذه الحالة تحتاج الآن إلى منهج تربوي أصيل منبثق من القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، وإنه قد آن الأوان ليتخلص واضعوا ومخططوا المناهج التربوية لأبنائنا وبناتنا من عقدة النقص أمام هذه المناهج الغربية الدخيلة على عقيدتنا وإسلامنا وديننا.

السبب الثالث من هذه الأسباب: الانفصام بين المنهج المنير والواقع المرير فإننا نرى الآن انفصاماً نكداً بين منهجنا وواقعنا، وهذا الانفصام كائن في جانب العقيدة، وفي جانب العبادة، وفي جانب التشريع، وفي جانب الاتباع، وفي جانب الأخلاق والمعاملات والسلوك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015