أبي عمرو الداني. ومات الشاطبي رحمه الله بمصر بعد عصر الأحد، وهو اليوم الثامن بعد العشرين من جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن بالقرافة، في يوم الاثنين في تربة القاضي الفاضل، المجاورة لتربة ولي الله تعالى الكيزاني صاحب المزار المعروف في القرافة الصغرى، بالقرب من سفح الجبل المقطم، جبل قلعة مصر فرعونه وتعرف تلك الناحية بسارية، قال رحمه الله تعالى:

بدأت ببسم الله في النّظم أوّلا ... تبارك رحمانا رحيما وموئلا

أخبر الناظم أنه بدأ ببسم الله في أول نظمه، ومعنى بدأت أي قدمت، تقول: بدأت بكذا إذا قدمته، فالباء الأولى لتعدية الفعل، والثانية هي التي في أول البسملة أي بدأت بهذا اللفظ والنظم الجمع، ثم غلب على جمع الكلمات التي انتظمت شعرا فهي بمعنى منظوم أو مصدر بحاله وتبارك تفاعل من البركة والبركة كثرة الخير ونموه واتساعه،

وقوله: رحمانا رحيما يريد به تكملة لفظ بسم الله الرّحمن الرّحيم. ثم قال: وموئلا، الموئل المرجع والملجأ، وهو مفعل من: وأل إليه، أي: رجع ولجأ، أو من وأل منه أي: خلص ونجا، وفي الحديث: «لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك».

وتثنّيت صلّى الله ربّي على الرّضا ... محمّد المهدى إلى النّاس مرسلا

أخبر أنه ثنى بالصلاة على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- والرضا بمعنى: ذي الرضا أي: الراضي من قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى [الضحى: 5]، وفي الحديث: «يا محمد أما يرضيك أن لا يصلي عليك أحد من أمتك مرة إلا صليت عليه عشرا، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا». والمهدى مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنا رحمة مهداة للناس». وقوله: مرسلا، منصوب على الحال من الضمير في المهدى.

وعترته ثمّ الصّحابة ثمّ من ... تلاهم على الإحسان بالخير وبّلا

أصل العترة حجر يهتدي به الضب إلى مأواه، وما يبقى من أصل الشجرة. وعترة النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته لقوله عليه الصلاة والسلام: «وعترتي أهل بيتي»، وروى تفسيره بأزواجه

وذريته. وقال مالك بن أنس: أهله الأدنون وعشيرته الأقربون، وقال الجوهري: نسله ورهطه الأدنون. فلما كانت العترة أصحابا ولم يكن كل الأصحاب عترة، قال: ثم الصحابة ليعم، والصحابة اسم جمع، والصحابي من رأى النبي عليه الصلاة والسلام، أو صحبه أو نقل عنه من المسلمين. قوله: ثم من تلاهم، أي تبعهم على الإحسان أي على طريقة الإحسان، وقوله: وبلا، الوبل: جمع وابل وهو المطر الغزير، شبه الصحابة رضي الله عنهم بالأمطار لنفعهم المسلمين.

وثلّثت أنّ الحمد لله دائما ... وما ليس مبدوءا به أجذم العلا

أخبر أنه ثلث بالحمد، يعني أنه ذكر اسم الله تعالى أوّلا، ثم ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وعترته وصحابته وتابعيهم ثانيا، ثم ذكر الحمد ثالثا فليس مراده ذكره في ثالث الأبيات بل مراده أنه لم يثلث إلا بالحمد وإن كانت في بيت رابع، والحمد الثناء، ويجوز فتح إن وكسرها في البيت وكلاهما مروي: فالفتح على تقدير «بأن الحمد»، والكسر على تقدير «فقلت إن الحمد». وقد يجوز أن تكون بمعنى نعم فيجوز حينئذ رفع الحمد بعدها ونصبه والرواية النصب. قوله: دائما، أي: مستمرا قوله وما ليس إلى آخره. الجذم: القطع أشار إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم». ويروى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015