"ونجيب أولا: بأن هذه الروايات مهما يكن سندها صحيحا، فإنها مخالفة للمتواتر القاطع، ومعارض القاطع ساقط مردود، فلا يلتفت إليها، ولا يعمل بها.

ثانيا: أنه قد نص في كتاب إتحاف فضلاء البشر1 على أن لفظ "هذان" قد رسم في المصحف من غير ألف ولا ياء، ليحتمل وجوه القراءات الأربع فيها ... وإذن فلا يعقل أن يقال: أخطأ الكاتب، فإن الكاتب لم يكتب ألفا ولا ياء، ولو كان هناك خطأ تعتقده عائشة ما كانت تنسبه للكاتب، بل كانت تنسبه لمن قرأ بتشديد "إن" وبالألف لفظا في "هذان"، ولم ينقل عن عائشة ولا عن غيرها تخطئة من قرأ بما ذكر، وكيف تنكر هذه القراءة وهي متواترة مجمع عليها؟ بل هي قراءة الأكثر، ولها وجه فصيح في العربية، ولا يخفى على مثل عائشة، ذلك هو إلزام المثنى بالألف في جميع حالاته ... فبعيد عن عائشة أن تنكر تلك القراءة، ولو جاء بها وحدها رسم المصحف.

ثالثا: أن ما نسب إلى عائشة -رضي الله عنها- من تخطئة رسم المصحف في قوله تعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاة} بالياء، مردود بما ذكره أبو حيان في البحر2 إذ يقول ما نصه: "وذكر عن عائشة -رضي الله عنها- وعن أبان بن عثمان أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح ذلك عنهما، لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع، ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره".

وقال الزمخشري3: "لا يلتفت إلى ما زعما من وقوعه لحنا في خط المصحف، وربما التفت إليه من لم ينظر في الكتاب "يقصد كتاب سيبويه"، ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتنان، وغبى4 عليه أن السابقين الأولين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل، كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام، وذب المطاعن عنه، من أن يتركوا في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015