وعندما تقرر نفي ابن العنابي من الجزائر كتب خوجة (كان المفتي سيدي محمد العنابي رجلا نزيها وفاضلا ... كان يكتب دائما إلى كلوزيل يلومه على تصرفاته التي كانت تبدو له مخالفة لوثيقة الاستسلام) (?) وقد عرفنا أنه كان محل ثقة لبعض دايات الجزائر الذين كلفوه بسفارة للمغرب واستكتبوه لباي تونس، كما أصبح محل ثقة محمد على الذي عينه مفتي الحنفية بالإسكندرية (?) وقد قال فيه عبد الحميد بك في تاريخه: (كان إماما فاضلا عارفا بالعبادات والأحكام في المذاهب الأربعة على اختلافها واختلاف أقوالها والراجح منها والضعيف فيها، وعالما في باقي المنقول والمعقول، والسياسات العمومية والخصوصية، الخارجية والداخلية).

وهكذا يتضح أن ابن العنابي كان شخصية مرموقة بين قومه في عصره. ويمكن تقسيم دوره إلى ديني وسياسي. فالدور الديني لعبه وهو يباشر وظيفة الإفتاء ويتصدر للتدريس ويمنح الإجازات لتلاميذه والمعجبين بعلمه. أما الدور السياسي فيتمثل في صلته بدايات الجزائر وفي موقفه من الاحتلال الفرنسي لبلاده وفي إشادته بدولة آل عثمان (سنعرف هذا منه) وتوليه وظيفة الإفتاء بمصر باعتباره عالما منفيا لأسباب سياسية.

ويضاف إلى ذلك دوره الفكري، وهو الذي يظهر فيما طرحه في كتابه (السعي المحمود) من آراء في الحضارة الغربية وضرورة أخذ المسلمين منها ما يرقيهم وينسجم مع شريعتهم. وإذا كنا قد تعرضنا إلى دوره الأول والثاني فقد بقي علينا أن ندرس دوره الثالث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015