تحقق التوحيد في أعمال الحج

يذكرنا بتحقيق هذا التوحيد كل عمل من أعمال الحج، فأنت في الحج تقصد بيت الله الواحد، وتطوف حول كعبته المعظمة التي تتوجه إليها، فأنت في الحج لا تدعو ولا تتضرع ولا تتوسل إلا لله الواحد، وأنت لا تنطق بلسانك إلا التوحيد، بل تصدع به وتجعله يتردد في أجواء الفضاء: لبيك اللهم لبيك، (لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك)، فتأمل هذه التلبية وهي تؤكد نفي كل شريك.

وتؤكد التعلق التام بالله عز وجل توحيداً وإخلاصاً وقصداً وتجرداً، وذلك أمر تتواطأ فيه مشاعر القلب مع كلمات اللسان مع حركات الجوارح في جموع الطائفين والساعين بين الصفا والمروة، والواقفين على صعيد عرفات، والمفيضين إلى مزدلفة، والمقيمين بمنىً، والناحرين والذابحين لهديهم، إذ كل حركاتهم تدل على هذا التوحيد، وتشير إلى هذا الإخلاص، وتحيي في القلب المعاني الإيمانية العظيمة، أليس من أعظم معاني الإيمان محبة الله؟ ألست قصدت بيته وتركت بيتك؟ أليس التوجه إليه وتخليص الدنيا وراءك فيه إعلان أن أمره وقصده أحب إلى نفسك وأعظم في قلبك من كل شيء آخر؟ أليس هذا تحقيقاً للمحبة بمعنىً قلبي يعضده سلوك عملي وتحرك جماعي وظهور لهذا على مستوى الأمة كلها؟ أليس من أعظم المعاني الإيمانية الخضوع والخشوع والتذلل والاستكانة؟ فهل يرى أحد أن مثل هذا يمكن أن يتحقق بأكثر من تحققه في يوم عرفة، يوم يقف الناس بلا رسوم ولا أشكال، بلا مظاهر وبلا مفاخر، يقفون حاسري الرءوس، رافعي الأيدي، ساكبي العبرات، مطأطي الأعناق خضوعاً لله عز وجل وطلباً لرضاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015