أقوال سياسية عربية فيها الانحياز إلى اليهود

لا شك أيها الإخوة أننا أمام مخاطر عظيمة تعد فيما أرى الأخطر مما يواجه الأمة المسلمة اليوم، وإن هذه المخاطر ليست مخاطر أرض اتسع حجمها أو صغر، وليست مخاطر فئة أو مجموعة يصفونها بالإرهاب يريدون أن يتوقف شرها كما يزعمون، إنها قضية عقيدة الأمة الإسلامية وهويتها.

إن قضية حضارة الأمة الإسلامية ووجودها هي القضية الأساسية، وهي الحربة الموجهة إلى صدر الأمة وقلبها اليوم، ويوشك إذا نشبت في ذلك الصدر أن يحصل ما يأمله الأعداء من ترنح هذه الأمة أو سقوطها، وذلك لم ولن يكون؛ لأن وعد الله القائم لا يخلف.

لكن نشير إلى بعض الأمور المؤلمة المحزنة، ونرى كيف تجري تلك المؤامرات، وكيف يحصل الرضوخ للمساومات، وكيف تباع -لا أقول: الأرض ولا القضية- وإنما كيف تباع الديانة والهوية على ما يسمى طاولة المفاوضات؟ هذه كلمات أقولها، ولو كان قولها بغير اللسان العربي المبين لكان أبلغ وأفصح، ولكان أكثر مطابقة مع حقيقة هذه المعاني التي يؤسفنا أن نقولها بهذا اللسان الذي نطقت به، والذي أرادت أن تعبر به عن أهل فلسطين، وعن أمة العرب، وعن المسلمين أجمعين، وإن كانت في واقع الأمر لا تمثل إلا من ينطق بها أو يمثلها في حقيقة تخاذله وتآمره وضعفه، وغير ذلك من الأوصاف.

(هدفنا دولتان تعيشان جنباً إلى جنب بسلام وأمن، وطريقنا طريق التفاوض المباشر، وحل كافة قضايا المرحلة النهائية، وإنهاء الاحتلال الذي بدأ في عام 1967م ولا تنسوا التواريخ؛ فإن هذا ينسخ ما قبل ذلك، فلم يكن ثمة احتلال ولا هجوم ولا عدوان قبل ذلك بنحو خمس وعشرين عاماً كما هو معروف من عام ثمانية وأربعين، والأمر جلي واضح.

ثم ماذا عانى في ظله الفلسطينيون من شديد المعاناة؟ ثم يقول: وفي ذات الوقت لا نتجاهل معاناة اليهود على مر التاريخ، وقد حان الوقت لإنهاء كل هذه المعاناة).

جدير بكم أن تذرفوا الدموع على معاناة اليهود الذين تهدم بيوتهم كل يوم في أرض فلسطين! جدير بكم أن تبكوا على اليهود الذين رأينا أطفالهم في السنة الأولى تخترق أجسامهم القاذفات التي تحدث خروقاً كاملة في أجسادهم! جدير بكم أن تبكوا على اليهود الذين لا يستطيعون أن يكسبوا لقمة عيشهم في أرضهم.

جدير بكم أن تشاركوا في هذا الحزن على تلك المعاناة الشديدة الرهيبة، وكأننا لا نرى بأم أعيننا أن ذلك يجري على إخوان لنا في الدين والعقيدة يدافعون عنا وعن وجودنا، ويدافعون قبل ذلك عن قرآننا وسنة نبينا، ويدافعون عن شرفنا وعزنا.

الواقفون يوم جثا كل الناس أو معظهم على الركب، الشامخون برءوسهم يوم ذلت الأعناق وكانت الذلة شعاراً عم الجميع إلا من رحم الله، الثابتون في مواجهة القوة يوم فر الجميع إلا أولئك النفر القليل من أهل الإيمان والصدق واليقين.

وواصل القول المحزن المؤلم فقال: (ولكني ولكي أكون صريحاً وواضحاً أقول: لا يوجد حل عسكري لصراعنا، ونكرر إدانتنا ورفضنا للإرهاب والعنف ضد الإسرائيليين أينما كانوا.

إن هذه الوسائل -واسمعوا إلى من يتحدثوا باسم كتاب الله وسنة رسول الله وأمة الإسلام كلها عبر تاريخها الطويل، ومآثرها المجيدة- لا تنسجم مع تقاليدنا الدينية والأخلاقية، بل تشكل عقبة خطيرة أمام دولتنا المستقلة ذات السيادة).

ولقد قلت من قبل سنوات عدة: إن مقتضى مثل هذا الكلام: إما أن نحبس القرآن في أماكن لا يخرج منها، وإما أن ننزع منه صفحات، أو نطمس منه آيات؛ لنصدق مثل هذه المفتريات، وهذا أمر خطير، فليست القضية سياسية، وليست القضية بلاغية أو كلامية، إنها أخطر من ذلك كله! ثم قال: (سنبذل كل الجهود، وسنستخدم كل إمكانياتنا لتنتهي عسكرة الانتفاضة، وسننجح.

الانتفاضة المسلحة يجب أن تنتهي، وعلينا أن نستخدم الوسائل السلمية في سعينا لإنهاء الاحتلال، ومعاناة الفلسطينيين والإسرائيليين، هدفنا واضح، وسنطبقه بحزم وبلا هوادة، نهاية كاملة للعنف والإرهاب، وسنكون شركاء كاملين في الحرب الدولية ضد الإرهاب).

اهـ.

ولا أظنكم تحتاجون إلى أن ننسب هذا القول إلى قائله، ولو كان بلسان عبري مبين لما كان في الأمر أدنى شك، فهو لا يخدم ولا ينطق ولا يعبر عن الإسلام والمسلمين ولا عن فلسطين وعن الفلسطينيين.

ولعلي أنتقل بكم أيضاً إلى مقالات أخرى، وأحسب أنها ستختلط عليكم إذ لا يعرف من يقول هذا ويتبناه ومن يؤمن ويعتقده ومن يخالفه ويناقضه.

قال بعضهم: (نحن ملتزمون بقوة بضمان أمن إسرائيل كدولة يهودية نابضة بالحياة، إن هذا الرجل يمثل قضية سلام، وقضية دولة للشعب الفلسطيني، إنني أدعم بقوة هذه القضية أيضاً).

لقد وعد لبذل أقصى الجهود والموارد لإنهاء الانتفاضة المسلحة، كما وعد بالعمل من دون مساومة من أجل وضع حد نهائي للعنف والإرهاب.

ثم قال: (السلام يتطلب أيضاً إنهاء العنف، وإزالة كل أشكال الحقد والأذى والمرارة في كل الأحوال، وفي المناهج الدراسية).

ولعلكم لا تحتاجون إلى كثير ذكاء لنقارن ما يطلب اليوم بما هو واقع على الأرض، فلسنا نحن الذين نذكره معاشر المسلمين، بل تذكره وكالات الأنباء وتعيده وتردده، ما الذي يدرس في المناهج اليهودية عن العرب والمسلمين؟ ومن ذا الذي فتح فمه ليقول: غيروا هذه الثقافة العنصرية العنيفة؟ هل سمعتم أحداً يذكر ذلك أم أننا لا نسمع إلا ضرورة تغيير مناهج المسلمين التي فيها منهج الإسلام بكامل عدالته وسماحته وصحته وصلاحيته؟! ثم ماذا؟ لابد من وقف الدعم والإعانة.

لمن؟ للذين لا يملكون سلاحاً ولا قوة، لا تعينوا الذين مات آباؤهم، لا تساعدوا الذين دمرت بيوتهم، لا تنجدوا الذين لا يجدون لقمة عيشهم، لا تغيثوهم.

ثم ماذا؟ ولتأتي الدول الكبرى والصغرى لتعين دولة مؤججة بالسلاح تعد الرابعة أو السابعة في دول العالم من حيث الأسلحة.

ثم ماذا؟ تأتي المنظمات في شرق الأرض وغربها لتدفع ليس فتاتاً من الأموال -كما يقع في دعمنا لإخواننا- بل مئات من الملايين، ويكفي أن تعرفوا أن اليهود يستلمون شهرياً أكثر من ستين مليون دولار لتعويض من يزعمون أنهم تضرروا من الحملة الألمانية على اليهود في عهد هتلر، وفي كل شهر يستلمون هذه المبالغ، فضلاً عن القوى العظمى التي تدعم اليهود بنحو ثلاثة مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن المنظمات والشركات التي تدعم الجمعيات التي تعلن عنصريتها.

ويعجب المرء عندما يردد الناس، وتردد محافل السياسة، وتردد كثير من الزعامات هذا، ولا تستطيع أن تنظر إلى ذلك، وهذا يذكرنا بقول أبي هريرة رضي الله عنه: (ترى القذاة في عين أخيك ولا ترى الجذع في عين نفسك).

أي أمر هذا العجيب؟! وأي انتكاس وارتكاس هذه المغالطات التي تبين لنا حقيقة الأمر؟! ونأتي لمقالة ثالثة: (إن الأمن الدائم يستلزم في نهاية المطاف السلام، ولا يمكن إحلال السلام الدائم إلا عبر الأمن).

والمقصود: الأمن اليهودي الذي نزعته الانتفاضة الجهادية المباركة، والطمأنينة التي لم تعد موجودة عند اليهود بفضل أولئك البررة الأطهار من المجاهدين الأخيار الغيورين على دينهم، الذين أبوا أن يذلوا وأن يساموا الخسف، وهم أصحاب الحق، وهم أصحاب الأرض، وهم أصحاب الدين والمعتقد الصحيح.

ويعجب الإنسان عندما يسمع ذلك المجرم وهو يقول: (وأن السلام لا يمكن أن يتحقق من دون التخلي عن الإرهاب والعنف والتحريض).

من القائل؟ إنه سيد الإرهاب وقائده الذي شهد له بذلك بشهادات عالمية موثقة دخلت إلى أروقة المحاكم! ثم نستمع إلى زعامات في بلاد الإسلام والمسلمين تقول: (إن هذا الرجل قوي، وإن المرحلة لإقرار السلام تحتاج إلى رجل قوي، وإنني أعتقد أنه سيقود المهمة بنجاح).

ما الذي بقي لنا من عقولنا حتى نفهم؟! ينبغي أن نسير على رءوسنا بدلاً من أقدامنا إذا أردنا أن نقبل مثل هذه المقالات، فإن هذا زيغ ظاهر، وخلل كبير، وخطر عظيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015