رد الشيخ: عائض القرني

أكرر شكري للقائمين على هذا المركز الجاد والمبدع في عرضه وفي تنظيمه، فجزاهم الله خيراً، وأشكر الدكتور/ حبيب الشاعر المبدع والأخ الصديق الجميل على حسن حواره وإدارته هذه الأمسية.

وأما الإخوة الكرام فقد أسعدوني وآنسوني، وأضفوا على محاضرتي وأمسيتي فخراً وشرفاً، والدكتور/ ظافر القرني في قصيدته البديعة التي ذكرتني بأمهات القصائد، لا أقولها تعاطفاً؛ لكنني حساس وأتذوق الشعر، وقد ذكرني بقصيدة لأحدهم يقول:

أيها الشعر أنت أنت الحداءُ غن شعراً تصغي إليه السماءُ

فالبحر مُجْزٍ والقافية قوية.

وأشكر أيضاً الشاعر الشيخ/ عبد العزيز بن إبراهيم السراء، وهو معروف عندي منذ زمن، وعند الإخوة جميعاً، فجزاه الله خيراً، ونفع به الإسلام والمسلمين أما الدكتور الفاضل الماجد/ عبد الله العريني، فقد بُشِّرتُ قبل أن آتي أنه سوف يحضر، فكان لي شرف بهذا، ولو قوَّم أمسيتي ونقدني فمثله يُستفاد منه في هذا الباب، لأن له قدماً راسخاً في النقد والدراسة، فشكر الله له حسن ظنه بأخيه وأشكر الشاعر/ محمد المقرن على ما تفضل به، وهو حبيب عندي أيضاً، وهذه ليست فرصة للمجاملات؛ لكني أقول ما في قلبي، والحمد الله أن الله جمع لي الأخيار من الشعراء الذين هم شعراء التوجه الإسلامي ومن أشعرهم.

أما ما تفضل به في سؤاله: فالمسألة أنه صدق فيما قال، وأنا أوافق كثيراً من العلماء أننا غالينا وأسرفنا في تلك الفترة في الرثاء، والميزان الشرعي أنني وإلى الآن لم أرَ مثل الشيخ/ ابن باز، تقوى وعلماً، ورفقاً وخلقاً، والله يعلم أنه من أحب الناس إلى قلبي، وهو ممن عاشرتُه، فعسى الله أن يجمعني به وبكم في جنات النعيم، وغفر الله له؛ لكن {قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} [الطلاق:3] {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء:171] إياكم والغلو! فهذا محمد صلى الله عليه وسلم، لما مات بكى الصحابة قليلاً، وما نَظَموا أشعاراً كثيرة، وذهبوا إلى مزارعهم، وجاهدوا في سبيل الله، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه الشرع! وكذلك لما مات أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وقد امتلأت الصحف بالنواح والعويل والنشيد وأين نذهب؟! وماذا نفعل بعدك إن تركتنا وذهبت؟ فبعضهم يكتب لإشاعة الخبر، وبعضهم أخذته العاطفة، أو جنَّح مع الحماس والناس، فصدق فيما قال، وقد سمعتُ من أحد الفضلاء أنه قال: لو اقتصدنا لكان أحسن، وترحمنا عليه، والدين والحمد لله محفوظ {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9] ومنصور، وقد مات محمد صلى الله عليه وسلم، والأنبياء والرسل، والخلفاء والعلماء فأنا معه، وأشكره على أنه استنبط هذا، ونريد ألاّ نكررها مرة ثانية، يموت ميت منا فنقول: الحمد لله والشكر له، فإن الأمم تموت، والدول تذهب، والملوك يذهبون، والناس لا يساوون في علم الباري سبحانه وتعالى حشرة، يقول الله: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:29] وقال في الدول والأمم: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98] وقد قرأت في بعض كتب السير والتاريخ: أن أحد الرواة من الصحابة قال: {نهينا عن المراثي} وأنا من أهل الحديث، وعهدي على مَن شكَّ أن يراجع هذه اللفظة: {نهينا عن المراثي} وهو الإفراط فيها والغلو؛ لأن ديننا دين قائم على الوسطية واحترام العقل والشرع وعدم الغلو، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {لا تُطْرُوني كما أَطْرَت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله} وهو محمد صلى الله عليه وسلم.

أما مسألة: كيف نجمع بين العلم الشرعي وبين الأدب؟ فهذا يفعله بعض العلماء بغض النظر عما إذا كان يؤثر على علمهم الشرعي وتحصيلهم أم لا؛ لكنها مواهب، فـ الشافعي كان له شعر، وكذلك ابن المبارك والجرجاني رحمهم الله، وغيرهم كثير، كان عندهم أدب مع العلم الشرعي فأرى أن مَن فُتح عليه باب الشريعة وعنده ذائقة أدبية أو ميل أن يوظف هذه الموهبة في طلب الأدب والتزود منه؛ ليكون صاحب بيان وقدرة على مخاطبة الناس، والذي لا يجد في نفسه ذلك فليكتفِ، فإن فحول العلماء كانت عبارات بعضهم صعبة، ولم يكونوا أُدباء، فالأمر نسبي ولا أريد أن أفصل، لأن مثل هذا يحتاج إلى محاضرة، وسبق أنه كانت هناك محاضرة بعنوان: التآخي بين الدين والأدب، في بيت المشوح، وهي من ثالوثياته، وقد حضرها في تلك الليلة الناقد الدكتور/ عبد القدوس أبو صالح، والدكتور/ محمد الفاضل، والدكتور/ الدبل، وكثير من أهل الأدب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015