بم يحفظ الله الأمم

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جلَّ عن الشبيه والند والمثيل والنظير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11] تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار عياذاً بالله من ذلك.

عباد الله! ورغم هذه الجهود النصرانية واليهودية، ورغم جهود أذناب هاتين الطائفتين الملعونتين، ورغم جهود أذناب الغرب وعملائه، تسلطاً على البقية الباقية في هذه الأمة، على بقية الحجاب والستر والحياء، وعلى بقية صفاء العقيدة، رغم كل ذلك فإن هذه البلاد والأمة بحمد الله ومنه وتوفيقه تشهد وعياً وفهماً واستقامةً على كتاب الله وسنة نبيه، تمثلت في جيل من الشباب الذي عاد إلى ربه عوداً حميداً، وآمن واطمأن إلى كتاب ربه اطمئناناً سعيداً، ورفع بهذا الدين رأسه، وأعلن لهذه الدعوة راية، ألا إن الأمم لتحفظ بأمثال هؤلاء، ألا وإن الأمة ليحفظها الله بالصالحين فيها من الشباب والشيب والكهول والعجائز: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً} [الفرقان:77].

إذا هيأ الله للأمة شباباً دعاة صادقين واعين مخلصين، يدعون الله جل وعلا سراً وعلناً، ليلاً ونهاراً، يدعون الله لهذه الأمة أن يحفظ ولاة أمرها وعلماءها، ويسعون بالصلاح والفعل النافع في صفوف أبنائها، فإن الأمة تحفظ بإذن الله، وتحفظ برحمة الله ومنته، بسبب جهود أولئك الصادقين مع الله، أولئك الصادقين مع ربهم سبحانه وتعالى.

فيا أمة الإسلام! أخلصوا جهودكم لله، واجعلوا سعيكم في طاعة الله، وتنافسوا في مرضاة الله، تحفظوا بذلك النعم والخيرات أمامكم وخلفكم ومن فوقكم ومن تحت أرجلكم، اعملوا صالحاً وتصدقوا وجاهدوا واجتهدوا، يدفع الله البلاء بذلك عنكم، واعلموا أن أمم الضلالة ما زالت -ولله الحمد والمنة والعاقبة للمؤمنين والمتقين- تشهد الفضائح تلو الفضائح في قسسها ورهبانها وحاخاماتها، ورجال الطقوس المعقدة فيها، ما زالوا يشهدون التراجع رغم جهود وإمدادات مجلس الكنائس الأعلى لهم، رغم جهود المبشرين والمنصرين لهم.

لكنهم -ولله الحمد والمنة- يشهدون يوماً بعد يوم قناعة بفساد عقائدهم، ويشهدون وثائق بفضح رؤسائهم في كنائسهم وغيرها، وأبين لكم حقيقة وقعت لعل الكثير منكم سمع بها، من مدة علمنا بمناظرة قامت بين رجل من أهل أفريقيا وأصله هندي، رجل مسلم مجاهد داعية اسمه أحمد ديدات، نسأل الله جل وعلا أن يثبتنا وإياه على دينه، قامت مناظرة له مع قس نصراني زعيم من زعماء النصرانية اسمه جيمي سواجارت.

هذا الرجل تناظر مع أحمد ديدات في مناظرة كبرى نشرتها بعض أجهزة التلفزة، وتناقلتها الأشرطة مسموعة ومرئية، وكان هذا القس النصراني جيمي سواجارت يقول: إنكم يا معاشر المسلمين تتركون المعصية، خشية أن تقطع أذن واحد منكم- يستهزئ بحد القطع في دين الإسلام- أو أن يقطع إصبع واحد منكم، ولكن معاشر النصارى- يقصد قومه- يتراجعون عن الذنب والخطيئة بواقع الضمير، ويبتعدون عنها من دافع الضمير الذاتي الذي يراقب الرب في فعله وعمله.

ثم انتهت تلك المناظرة بهزيمة ساحقة وفضيحة ماحقة لأسس النصرانية، وأسلم بعد هذه المناظرة مئات من النصارى وآمنوا بالله، ولكن الفضيحة التي حصلت أن جيمي سواجارت هذا كان قد نافس رجلاً اسمه جيم بيكر قائدٌ من قواد النصرانية وزعماء الكنيسة، تتبعه حتى فضحه في فضيحة أخلاقية، فتسلط بيكر هذا على جيمي سواجارت، وجعل إحدى عشر مخبراً يلاحقونه حتى يظفر منه بفضيحة، فنشرت الفضيحة وانتشرت، وأذاعتها وكالات الأنباء، وأجهزة التلفزة الأمريكية في نشرة الأخبار التي لا يوجد أحد يتابعها، نشروا له صورة وهو يدخل فندقاً من الفنادق مع غانية من الغانيات، ونشروا له صوراً أخرى كلها فضائح.

انظروا إلى أذناب النصرانية كيف يطنطنون ويلجلجون، ثم يكشفون بحمد الله والله لهم بالمرصاد، لما كشف هذا الرجل وأعلنت فضيحته على الملأ، قام يبكي ويقول: هذه خطيئة وأنا استغفر الرب والسيد اليسوع إلى غير ذلك من تلك العبارات المخرفة.

عباد الله! وما زالت النصرانية واليهودية، وما زال أعداء الإسلام يشهدون كل يوم فضيحة، تدل على بطلان مبدئهم، وعلى فساد عقيدتهم، وعلى كذب وخيانة سادتهم ورؤسائهم، أما ديننا ولله الحمد والمنة فيشهد تقدماً وانفتاحاً وانتصاراً وأفواجاً تدخل في هذا الدين، فلك اللهم الحمد والمنة.

الله الله يا معاشر المسلمين! لا يؤتين الإسلام من قبلكم، لقد أفلست الشيوعية في طريقتها العقدية، وفي نظامها الاشتراكي الاقتصادي، ولقد فشلت وعقمت الرأسمالية، ولقد عقمت جميع الشعارات، ولم يبق إلا دين الإسلام لم تطبقه تلك الأمم المنكوبة، ولو طبقوه لوجدوا في ذلك السعادة والسؤدد والاطمئنان والراحة، لكن لكبر منهم وعناد لا يريدون تطبيقه، واعلموا أنهم لن يتأثروا بهذا الدين إلا يوم أن يرونا أبناء المسلمين قد التزمنا بديننا وطبقنا ديننا، وكنا قدوة صالحة ومثلاً أعلى لهذا الدين الذي ننتسب إليه، عند ذلك يا عباد الله! سيدخلون في دين الله أفواجاً، لعلمهم ومعرفتهم بفساد مبادئهم وأنظمتهم، ولرؤيتهم تلك الصورة الجميلة الناجحة الرائعة لدين الإسلام في مجتمع مسلم.

عباد الله! إن البشرية لا تستجيب لمنهج مقروء ولا مسموع، ولكن تستجيب لمنهج قد طبق في صور وأفراد مجتمع من المجتمعات، وعند ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً، ويتأثرون بدين الله، بوسعنا أن ننشر ملايين النسخ من القرآن، وملايين الكتب من السنة، وآلاف الأشرطة من الوعظ والنصائح، لكن هذه لا تغني عن تطبيق المسلم لإسلامه، وأن يجعل من نفسه قدوة صالحة، عند ذلك يدخل الناس في دين الله أفواجاً، قرءوا ديناً فرأوه قائماً متمثلاً في صورة هذا المسلم، الذي هو مسلم في جميع تصرفاته وأعماله.

اللهم زد هذا الدين عزاً، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اجزهم عنا خير الجزاء، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً اللهم جازه بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً وغفراناً، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.

اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له ولأمته، وأبعد عنه من علمت فيه شراً له ولأمته، اللهم اجمع شمله وإخوانه وأعوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تشمت بهم حاسداً، ولا تفرح عليهم عدواً، اللهم سخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك.

اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية، ومن كل فاحشة أمنا، ومن كل فتنة عصمة {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:23] ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015