وظيفة الداعية

الحمد لله، الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، أحمده سبحانه، جعل في السماء بروجاً، وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، أحمده سبحانه على نعمه التي لا تحصى، وآلائه التي لا تنسى، خلق كل شيء فقدره تقديراً، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله إلى الثقلين الجن والإنس بشيراً ونذيراً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى فهي وصية الله لكم وللأمم قبلكم: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].

معاشر المؤمنين: إن من المسلمين -هداهم الله- من إذا رأى أحدهم منكراً يرتكب، أو حرمة تنتهك، أو حقاً يضيَّع، أو رأى فتنة حلت، أو مصيبة نزلت، أصابه ذلك باليأس والقنوط، ونزل به من الجزع، وحل به من سوء الظن وكثرة التشاؤم وانعدام التفاؤل ما لا يعلمه إلا الله، وربما أصابه بعد ذلك إحباط وقعود عن الدعوة إلى الله عز وجل ظناً أن الدنيا مدبرة، وأن الناس لا ينفع فيهم وعظ ولا إرشاد، وأن القيامة قد دنت، واقتربت الساعة وانشق القمر، وأن الناس لا ينفع فيهم وعظ ولا زجر، ولا نهي ولا أمر، إن هذا مما يحل ببعض النفوس عند بعض إخواننا هداهم الله.

وينبغي أن نعلم أيها الأحبة: أن الدعوة إلى الله عز وجل عبادة وسنة وشريعة ربانية ماضية، لا يضرها أن يقبل الناس على الطاعة أو يدبروا عنها، أو أن يصيب الناس مد وجزر في إقبال أو إدبار عن دين الله جل وعلا، إذ إن وصية الله للأنبياء ولورثة الأنبياء وهم العلماء، ولمن ولاهم الله أمور المسلمين أن يقوموا على هذه الدعوة، عبادة، وحسبة، وامتثالاً لأمر الله عز وجل، وليسوا بمحاسبين ولا مسئولين عن النتائج المترتبة، إذ الهداية إلى الله عز وجل ليس للبشر منها إلا هداية الدلالة، وأما هداية التوفيق فمن الله وحده: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص:56].

فإذا رأيت مسلماً أصابه من الكآبة ما خيم على قسمات وجهه، وحل به من خيبة الأمل ما ظهر على سلوكه وتصرفاته، فرأيته عاجزاً في الدعوة بعد أن كان نشيطاً، ورأيته ضعيفاً في الحسبة بعد أن كان قوياً، ورأيته متشائماً بعد أن كان متفائلاً، ورأيت الأمر الذي في نفسه؛ من الغيرة على دين الله، وإنكار المنكر، ودعوة الضالين، وغشيان أهل المعاصي في مجالسهم ودعوتهم إلى الله عز وجل قد تبدلت وتحولت في نفسه إلى عزلةٍ وتقوقعٍ وبعدٍ عن غشيان الناس ونصيحتهم، فاعلم أن قد أصابه من هذا الأمر ما أصابه، وربما يعود ذلك إلى جهله بسنة الله في الكون، وعدم علمه بسنن الله في حياة البشر أو عدم فقهه وفهمه لنصوص الكتاب والسنة.

ولكنا يا عباد الله! إذا عدنا ورجعنا إلى المعين الذي لا ينضب ولا يتغير ولا يتكدر، إذا عدنا إلى الشريعة الغراء التي علمتنا أدق أمور حياتنا، في معاملاتنا ودخولنا وخروجنا، فلن نعدم أن نجد في هذه الشريعة ما يرشدنا ويبعث في نفوسنا الأمل والعمل حيال ما نرى ونسمع من إدبار الناس، أو ضعفهم، أو تهاونهم وجهلهم، أو قعودهم عن طاعة الله، أو حدوث التشاؤم والقعود عن الدعوة حال مصيبة أو فتنة أو نازلة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015