رسالة من ابن باز إلى الأمة

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار؛ عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة! بين يدي رسالةٌ من إمامٍ جليل، أجمعت القلوب على حبه، وتواطأت النفوس على التقرب إلى الله بمودته، وتواطأ الخلائق في مشارق الأرض ومغاربها على السؤال عنه، والطمأنينة لعلمه، والدينونة إلى الله جل وعلا بحبه في الله ولله، ذلكم سماحة العلامة مفتي العصر، إمام الدنيا، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وجه رسالةً إلى المسلمين أجمعين، مما لاحظ ورُفع إلى سماحته من تهاون المسلمين بالصلاة مع الجماعة.

فقال حفظه الله ومتع به على طاعته: من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى من يراه من المسلمين وفقهم الله لما فيه رضاه، ونظمني وإياهم في سلك من خافه واتقاه، آمين سلامٌ عليكم ورحمه الله وبركاته أما بعد: فإن من المنكرات الظاهرة ما يفعله الكثير من الناس، من التساهل بأداء الصلاة في الجماعة، والتهاون بذلك، ولا شك أن ذلك منكرٌ عظيم، وخطره جسيم، فالواجب على أهل العلم التنبيه على ذلك، والتحذير منه، لكونه منكراً ظاهراً!! لا يجوز السكوت عليه، ومن المعلوم أنه لا ينبغي للمسلم أن يتهاون بأمرٍ عظّم الله شأنه في كتابه العظيم، وعظّم شأنه رسوله الكريم، عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، ولقد أكثر الله سبحانه من ذكر الصلاة في كتابه الكريم، وعظّم شأنها، وأمر بالمحافظة عليها وأدائها في الجماعة، وأخبر أن التهاون بها والتكاسل عنها من صفات المنافقين، فقال تعالى في كتابه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238].

وكيف تعرفُ محافظة العبد عليها؟ وتعظيمه لها وقد تخلف عن أدائها مع إخوانه! وتهاون بشأنها! قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:43] وهذه الآية الكريمة نصٌ في وجوب الصلاة مع الجماعة، والمشاركة للمصلين في صلاتهم، ولو كان المقصود إقامتها فقط، لم تظهر مناسبةٌ واضحة في ختم الآية بقوله سبحانه: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) لكونه قد أمر بإقامتها في أول الآية، قال تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء:102].

فأوجب سبحانه أداء الصلاة في الجماعة حتى في حال الحرب؛ فكيف في حال السلم، ولو كان أحدٌ يُسامح في ترك الصلاة في جماعة، لكان المصافون للعدو والمهددون بهجوم العدو عليهم، أولى بأن يُسمح لهم في ترك الجماعة، فلما لم يقع ذلك؛ عُلم أن أداء الصلاة في جماعة من أهم الواجبات، ولا يجوز لأحدٍ التخلف عن ذلك، وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لقد هممتُ أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً أن يصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهدون الصلاة فأحرّق عليهم بيوتهم) الحديث.

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافقٌ عُلم نفاقه، أو مريض وإن كان المريض ليمشي بين الرجلين حتى يأتي الصلاة).

وفيه أيضاً عنه قال: (من سره أن يلقى الله غداً مسلماً، فليحافظ على هذه الصلوات حيث يُنادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنها من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يُصلي هذا المتخلف في بيته، لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهر فيحسن الطهور، ثم يعمد إلى مسجدٍ من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوةٍ يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف).

وفي صحيح مسلم أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائدٌ يلازمني إلى المسجد، فهل لي رخصةٌ أن أصليّ في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم.

قال: فأجبه) وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ فلا صلاة له؛ من سمع النداء فلم يأتِ؛ فلا صلاة له إلا من عذر).

قيل لـ ابن عباس رضي الله عنهما: [ما هو العذر؟ قال: خوفٌ أو مرض] والأحاديث الدالة على وجوب الصلاة في الجماعة، وعلى وجوب إقامتها في بيوت الله، التي أذن الله أن تُرفع، ويُذكر فيها اسمه كثيرةٌ جداً، فالواجب على كل مسلمٍ العناية بهذا الأمر والمبادرة إليه، والتواصي به مع أبنائه وأهل بيته وجيرانه وسائر إخوانه المسلمين، امتثالاً لأمر الله ورسوله، وحذراً مما نهى الله عنه ورسوله، وابتعاداً عن مشابهة أهل النفاق، الذين وصفهم الله بصفاتٍ ذميمة، منها تكاسلهم عن الصلاة، فقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً} [النساء:142 - 143].

ولأن التخلف عن أداء الصلاة في الجماعة من أعظم الأسباب إلى ترك الصلاة بالكلية، ومعلومٌ أن ترك الصلاة كفرٌ وضلالٌ وخروجٌ عن دائرة الإسلام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة) أخرجه مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، وقال صلى الله عليه وسلم: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) رواه الخمسة عن بريدة الأسلمي بإسنادٍ صحيح، والآيات والأحاديث في تعظيم شأنها ووجوب المحافظة عليها، وإقامتها كما شرع الله، والتحذير من تركها كثيرةٌ ومعلومة، فالواجب على كل مسلمٍ أن يحافظ عليها في أوقاتها، وأن يُقيمها كما شرعها الله، وأن يُؤديها مع إخوانه في الجماعة في بيوت الله، طاعةً لله سبحانه ولرسوله، وحذراً من غضب الله وأليم عقابه.

ومتى ظهر الحق، واتضحت أدلته، لم يجز لأحدٍ أن يحيد عنه لقول فلان أو فلان؛ لأن الله سبحانه يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء:59] ويقول سبحانه: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63].

إن الذي يسمع الأدلة في وجوب الصلاة مع الجماعة ثم يترك الصلاة مع الجماعة لفتوى فلانٍ من الجهلة، أو فلانٍ من الظلمة الذين يظلمون أنفسهم؛ حريٌ أن يكون ممن خالف أمر الله، وعلى خطرٍ أن تصيبه فتنة أو يصيبه عذابٌ أليم، هذا من كلامي وليس من كلام الشيخ ابن باز، هذه الجملة القصيرة، وأستأنف كلام الشيخ: ولا يخفى على من له أدنى بصيرة ما في الصلاة في الجماعة من الفوائد الكثيرة، والمصالح الجمة، ومن أوضح ذلك التعارف والتعاون على البر والتقوى، والتواصي بالحق والصبر عليه، وتشجيع المتخلف وتعليم الجاهل، وإغاظة أهل النفاق، والبعد عن سبيلهم، وإظهار شعائر الله بين عباده، والدعوة إليه سبحانه بالقول والعمل إلى غير ذلك من الفوائد الكثيرة في إقامة الصلاة.

وفقنا الله وإياكم لما فيه رضاه، وصلاح أمر الدنيا والآخرة، وأعاذنا جميعاً من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، ومن مشابهة الكفار والمنافقين إنه جوادٌ كريم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

اللهم أعز الإسلام، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم اجعلنا للصلاة من المقيمين، واجعلنا عليها من المحافظين، واجعلنا لأركانها وسننها وواجباتها من المقيمين، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، اللهم تقبل صلاتنا، وأعنا عليها، وأذقنا لذتها وحلاوتها، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم لا تدع لمسلمٍ في هذا المسجد وغيره ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا يتيماً إلا تكفلت به، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا أسيراً إلا فككته، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم انصر المجاهدين، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان، اللهم انصر المجاهدين في فلسطين، اللهم أصلح شأن ولاة الجهاد، اللهم أصلح أمراء الجهاد، اللهم أصلح قادة الجهاد، اللهم اجمع شملهم، اللهم وحد كلمتهم، اللهم اطفأ الفتنة من بينهم، اللهم أدر دائرة السوء على من أشعل الفتنة بينهم، ال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015