الفرق بين المؤمن والكافر في الموت وما بعده

أيها الأحبة! روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا، وإقبالٍ من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس) وهذا الحديث أود يا معاشر الأحبة! أن نسمع كلماته، وأن نتأمل عباراته، ونحن نتخيل أننا متمددون على الفرش، وأننا أهل هذا الحديث، وأننا ممن يخشى سوء ما فيه، ويرجو نعيماً ورد فيه، وأننا أول من يعنى به؛ لأن بعض المصلين يحضر بقالبه، وأما قلبه فلا يزال في بيته، وبعض المصلين يحضر بجسمه، وأما عقله وفكره فلا يزال في دكانه وبيته.

والعبرة والتذكرة لمن سمع بأذنه، وأطرق برأسه، وتأمل بقلبه: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] فتخيل نفسك الآن وأنت على فراش الموت، ساعة لك الحق بل عليك بل يجب أن تتخيلها، لو قلنا إنك تسافر إلى بلدٍ بعيدة، لتخيلت وصولك، وتخيلت سكنك، وتخيلت مسيرك، وتلك رحلة لا بد منها، فلماذا تأبى أن تتخيلها؟ لماذا تزور ولا تريد أن تتخيل نفسك في حالها ومآلها؟ أيها الأحبة! قال صلى الله عليه وسلم: (إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاعٍ من الدنيا وإقبالٍ على الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه، كأن وجوههم الشمس، معهم كفن من أكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مد البصر، ويجيء ملك الموت، حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة! اخرجي إلى مغفرة ورضوان، فتخرج فتسيل كما تسيل القطرة من فيّ السقاء، فيأخذها فإذا أخذها ملك الموت لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منه كأطيب نفحة مسكٍ وجدت على وجه الأرض، ويصعدون بها، فلا يمرون على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذه الروح الطيبة؟ فيقولان: فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا.

حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له، فيفتح له، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى بها إلى السماء السابعة، فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض في جسده، فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان: ما يدريك؟ فيقول: قرأت كتاب الله وآمنت به وصدقته، فينادي مناد من السماء، أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وافتحوا له باباً إلى الجنة.

قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره، قال: ويأتيه رجلٌ حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت فوجهك الوجه الحسن، يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة، رب أقم الساعة، حتى أرجع إلى أهلي ومالي.

وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزل إليه ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، يجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة! اخرجي إلى سخط من الله وغضب، فتفرق روحه في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول، فيأخذها، فإذا أخذها، لم يدعوها في يده طرفة عين، حتى يجعلوها في تلك المسوح، وتخرج منها كأنتن جيفة وجدت على الأرض.

فيصعدون بها، فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة، إلا قالوا: ما هذه الروح الخبيثة؟ فيقولون: فلان بن فلان، بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى بها إلى السماء الدنيا، فيستفتح لها، فلا يفتح له، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] فيقول الله عز وجل: اكتبوا كتابه في سجين، في الأرض السفلى، ثم تطرح روحه طرحاً، ثم قرأ قول الله: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج:31].

فتعاد روحه في جسده، ويأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك من ربك؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه! لا أدري، فينادي منادٍ من السماء، أن كذب، فأفرشوه من النار، وافتحوا له باباً إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره، حتى تختلف فيه أضلاعه، ويأتيه رجلٌ قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذي يسوؤك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه القبيح، الذي يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث، فيقول: رب لا تقم الساعة) رواه الإمام أحمد.

أيها الأحبة في الله! هذا مصيرٌ سنواجهه، وكلٌ سينال من الكرامة أو من الهوان بقدر صلاحه أو فسقه، بقدر إنابته أو مخالفته، بقدر خضوعه لله أو تكبره عن أوامر الله عز وجل.

فلماذا الغفلة؟ ولماذا التمادي وقد مر من الأعمار ما مر، وعشنا في هذه الدنيا ما يتذكر فيه من تذكر، وجاءنا النذير؟ بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015