تأثير الجلساء والأصحاب على الفرد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة الشباب أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ولا أود أن أطيل في المقدمة ولكن سأبدأ بثلاثة أسئلة نريد أن نستنتج منها أموراً بسيطة ميسرة.

حينما ترون شاباً يهتم كثيراً بأمور الحمام والدجاج والطيور والأرانب والإوز، وتجدونه ذاهباً آيباً لأجل البيض، وعلى رأسه كرتون مقفص عن اليمين واليسار، هذا الشاب كيف اهتم بالحمام والطيور ونحوها؟ هل هو مولود في صندقة؟ لا.

وتجدون هذا الشاب يعتبر من فقهاء الطيور، أي: فقيه، وأكبر دليل على ذلك، أنني أعرف بعض الشباب ممن يبيعون ويشترون الحمام ضاع وقته مع الحمام ومع التحويم وهلم جرا، فأسأله أقول له: ما هي أنواع الحمام؟ يقول: والله هذا نوع (قطيفي) وهذا نوع كويتي، وهذا نوع (رقيص)، وهذا نوع (مقنبر) وهذا نوع بلجيكي وهذا مصراوي.

فتجده يفقهها فقهاً عجيباً، ولو احتجت أن أدرس دراسة حتى أعرف مستوى معرفته في الطيور ما عرفت سبحان الله! ويزيدك يقول: (القطيفي) في حالات يقلب في السماء ويهوز أحياناً، وأحياناً بعضهم من شدة جودته يقلب في الصندقة، ويقلب في الخيط ثلاث أربع مرات بكل سهولة.

وإذا كان الطير عزيزاً عليك وغالياً، ولا تحب أن يفوت أو يضيع، فيلزمك شيء مهم وهو أنك تضع في الماء الذي يشرب سكر حتى إذا بعته يرجع إليك، طبعاً لا تصنعوا في الماء سكراً.

المهم -يا شباب- أنا أعجب من هذا الشاب، فلديه طاقة وموهبة عقلية، فليس بغبي، ولا تظنون هؤلاء الشباب الذين يذهبون ويرجعون أغبياء! فعندهم عقول، لكن هذا العقل تسخر في ما يتعلق بفقه الحمام والطيور، فأنا أعجب من هذا الشاب كيف اكتسب هذه المعرفة وهذه القدرة؟! هل هو مولود في صندقة أو في قفص؟ إنه مولود في بيته أو في المستشفى بقسم الولادة، شيء طبيعي، لكن من أين اكتسب هذه المعلومات؟ اكتسب هذه المعلومات بالصحبة الذين يخالطهم ويذهب معهم ويأتي معهم، كان اهتمام أصدقائه وأصحابه كله موجه إلى الطيور والحمام وأنواعها وأشكالها وطريقة (الطبة) وما (الطبة) والبيع، وكيف تولد وكيف تبيض، وهلم جرا.

تأتي إلى شاب آخر، فتجد عند هذا الشاب أحكاماً عجيبة جداً جداً في مسألة الكرة، فالكرة فيها كذلك قوانين رياضية معروفة، كم حجم الهواء الموجود في الكرة، كم وزن الكرة، وكم عدد الفريق، ومتى ينزل الاحتياطي ومتى لا ينزل، ومتى يأخذ كرتاً أصفر ومتى يأخذ كرتاً أحمر، ومتى يطرد من الملعب، ومتى يصير فاولاً، ومتى يكون تسللاً، ومتى تكون ضربة جزاء، وما حكم الوقت الضائع، وما عقوبة الغلط على الحكم، وهلم جرا، وتجد هذا الشاب عنده معلومات دقيقة جداً، فقد أجلس بجانبه وكلنا يشاهد مباراة، فهو يعرف أن هذا الهدف تسلل وأنا ما أعلم ما معنى التسلل.

حينما نجد شاباً يهتم بالحمام أو نجد شاباً يهتم بالكرة، فهذا ليس شاباً غبياً، إن هذا عنده عقل، لكن هذا الشاب الذي تفقه في أمور الرياضة وأحكام الرياضيين وما يتعلق بها، هل هو مولود في الملعب أو تربى في الملعب أو بيتهم في البوابة؟ طبعاً لا، وإنما جالس وخالط شباباً كان جل اهتمامهم الكرة والرياضة ولا اهتمام لهم سواها.

وهكذا تجد صنفاً ثالثاً من الشباب، جل اهتمامه في السيارات، فتجده يعرف كل ما يخص بالسيارات، حتى أنك لو أتيته تشكو إليه مشكلة في سيارتك قال: الأمر سهل يا أخي! ودلك على الخلل وكيف يمكن تصليحه، الشاب فقيه جداً في أمور السيارات، فهل هذا مولود في ورشة؟ طبعاً لا، إنما الذي جعله فقيهاً دقيقاً في مسألة السيارات وأصنافها ونحو ذلك أن لديه مجموعة شباب كانت اهتماماتهم الموديلات، والفرق بين الموديل الفلاني والآخر وغير هذا من أمر السيارات.

إذاً أريد أن أخلص من هذا بنتيجة: أن الذي يحدد اهتمامك واتجاهك هم صحبتك وجلساؤك وأصدقاؤك، فإذا كان جلساؤك أهل حمام فأبشر، ستحط على رأسك كرتوناً وقفصاً بجانبه، وإن كان جلساؤك وصحبتك أهل اهتمامات رياضية فستكون من فقهاء الرياضة، وإذا كانت اهتماماتك اهتمامات خاصة بالورش الصناعية فستجد نفس القضية، فإذاً ينبغي أن نعرف: المسألة الأولى: أن شبابنا في المرحلة الثانوية أو المتوسطة أو ما بعدها، أو حتى الشباب الذين يدورون في الأسواق والله ما هم بأغبياء، والله فيهم ذكاء لا يخطر على بالكم، ولكن بدلاً من أن يكون ذكاء الشاب يتعلق بمجالات عديدة، بدلاً من أن ينطلق في الاتجاهات الأربع حصرناه في اتجاه واحد ألا وهو اتجاه الكرة أو الحمام أو الرياضة كمثل من الأمثلة.

هذه مسألة.

المسألة الثانية: قلنا إن الشباب أذكياء، وليس عندهم قلة ذكاء أو قلة عقول، ولكن الصحبة المحيطة بهم بدلاً من أن تجعل عقولهم تنتشر في شتى المجالات، جعلت عقولهم تنحصر في مجال قد لا يكون جديراً بالاهتمام أو لا يكون جديراً بالاهتمام إلى الدرجة والقدر الذي بلغ به أولئك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015