ضرورة الكلام عن حقوق ولاة الأمر

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله؛ على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ومن بين هذه النعم العظيمة اجتماعنا في بيت من بيوت الله، نتلو كلام الله، ونتدارس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

أحبابنا! موضوعنا اليوم يحتاج إلى العلم أكثر من العاطفة، ويحتاج إلى النقل أكثر من الاجتهاد، ويحتاج إلى الفهم والوعي أكثر من غير ذلك، والكلام عن حقوق ولاة الأمر فرع عن أصل اعتقاد لزوم البيعة وشرعية الحاكم والنظام، وليست هذه المسألة محل شك أو نزاع حتى نطرح تفصيلها، أي أن مسألة استقرار البيعة وشرعية الحاكم والنظام في هذه البلاد مسألة لا تحتاج إلى نصب كثير من الأدلة أو إقامة عدد من الحجج والبراهين، فأراها جلية واضحة لمن سلمه الله من الهوى ونفعه بعلمه وعقله.

لكننا حينما نقول: إن هذه المسألة فرع عن اعتقاد لزوم البيعة؛ لأنه لا قيمة للحديث عن حقوق ولاة الأمر إلا إذا كنا نرى ونعتقد أن هؤلاء الولاة لهم في أعناقنا بيعة، وحكمهم ونظامهم شرعي يجب الإذعان والسمع والانقياد له ويحرم الخروج عليه، ومن كان يرى غير ذلك؛ فإنا نبرأ إلى الله من قوله، بل نبرأ إلى الله من كل قول ينص أو يفضي إلى عدم القول بشرعية هذا النظام ولزوم طاعته.

أيها الأحبة! لا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، بمعنى: أن نفترض الشك في آحاد الناس أو أعيانهم أو أفرادهم ثم نأتي لنمتحن كل واحد فنقول له: ما رأيك في هذه القضية وما قولك في هذه المسألة؟ لا أعلم ولا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، خاصة وقد تواطأت مقاصد الشريعة وقول أهل الحل والعقد ومصالح الناس، واستقرت الأحوال على هذه البيعة، بل الذي أرى أن النزاع حول هذه القضية وأن امتحان الناس فيها هو كالتشكيك في نسب الأبناء إلى الآباء؛ لأنها قضية واضحة المعالم في لزومها وثبوتها فلا تحتاج إلى امتحان، وكما قال الشاعر:

وليس يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل

أيها الأحبة! ومع ذلك فلا بأس أن يتكلم في هذا الأمر إذا اتهم أحد بالقول بضده دفعاً للريبة، ولا بأس أن يتكلم فيه من يخشى أن يتهمه الناس بضده، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما، إنها صفية) إذ فيه مشروعية القول والفعل إذا وقعت الريبة في شخص بأمر هو منه بريء، أو خشي أن تحوم حوله ريبة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (خشيت أن يقذف الشيطان في قلبيكما أمراً) فحينئذ لا بأس بطرح هذا الأمر لتندفع هذه الريبة.

وقد يطرح هذا الأمر أيضاً لا من باب دفع الريب القائمة أو المتوقعة وإنما من باب تقرير هذا الأمر والتحذير من الشبهات الواردة حوله، وهو أصل مهم قبل حلولها أو تفاقمها وتناقلها بين الطغام والجهلة والعوام، وليس هذا بغريب، فقد ورد تقرير توحيد الله عز وجل، وورد التحذير من الشرك ودفع الذرائع الموصلة إليه، وأمر التوحيد أهم من هذه القضية، لكن الأمر إذا كان مهماً احتاج أيضاً أن يكرر وأن يقرر وأن يؤكد وأن يبدأ فيه ويعاد، فدل على أن الأصول المهمة حتى مع القول بالتسليم بها وعدم قبول النزاع فيها إلا أن ورود التأكيد عليها والتحذير مما يعارضها أمر مشروع، ولأجل ذلك نطرح هذه القضية ولهذا السبب: وهو أهمية هذه القضية وضرورة التأكيد عليها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015