المسلمون لما أصابهم الوهن

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى في أنفسكم، اتقوا الله تعالى فيما ولاكم الله، اتقوا الله تعالى في إخوانكم المسلمين: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:1].

معاشر المؤمنين! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطابٍ جمع فيه أصحابه: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا.

أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

تعالوا بنا يا عباد الله! لننظر هذا الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، هل تداعت الأكلة على المسلمين؟ هل تداعى الأعداء والشياطين والكفار والمجرمون على المسلمين في هذا الزمان كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ نعم يا عباد الله! لقد اعتدوا وقتلوا وشردوا ونهبوا وسلبوا، لقد صدق صلى الله عليه وسلم.

ثم تعالوا نسأل سؤالاً آخر: هل نحن قلةٌ في هذا الزمان؟ هل المسلمون قليلٌ في هذا الزمان؟ لا والله، إننا اليوم كثير جداً، إن أعظم تعدادٍ لنسبٍ منتمية إلى دينٍ من الأديان لهو تعداد المسلمين؛ بلغ تعدادهم ألف مليون مسلم (مليار مسلم) وما زال قدسٌ من مقدسات المسلمين يئن تحت وطأت اليهود منذ ثمانين أو سبعين عاماً، وما زالت قطاعٌ ودولٌ وأراضٍ من بلدان المسلمين ترزح تحت نير الاستعمار وسلطة الكفر والطغيان.

نحن الآن كثيرٌ جداً، هل من قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: (لا.

أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء) فهل نحن غثاءٌ في هذا الزمان؟ نعم والله يا عباد الله! إن طوائف عديدة من أبناء المسلمين ورجالهم غثاءٌ كغثاء السيل لا ينفعون ولا يضرون، لا يقدمون ولا يدفعون لا يعرفون لأنفسهم مصلحةً أو يتخذون تجاه دينهم وعقيدتهم موقفاً، نعم والله إنهم غثاء، ألف مليون مسلم وهم أشد الناس تسلطاً على رقابهم، وهم أشد الناس استضعافاً لأنفسهم بما تركوا من كتاب الله وسنة نبيه: (ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم).

هل بعد نزع هذه المهابة نزعٌ يا عباد الله؟ نعم، إن عادت النفوس إلى دينها، انظروا حال المسلمين اليوم يتجرأ الأعداء على النساء والأبرياء والأطفال والصغار، والشيوخ والعجائز! أين شبابنا؟! أين رجالنا؟! أين أمتنا؟! إنهم غثاءٌ كغثاء السيل، قد نُزعت المهابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي).

أين هذه الأمة التي نُصرت بالرعب مسيرة شهر؟ إنا لا نراها الآن، إن بين كثيرٍ من أمم المسلمين وبين أعدائهم ليس مسيرة شهر بل كيلوا مترات معدودة، لكن أين الخوف من المسلمين وأين الرهبة من المسلمين؟ لقد ضاعت في جوانح الشهوات، لقد ضاعت في ألوان المغريات، لقد ضاعت في جنبات الملهيات، إذن فليس المسلم الذي يهابه العدو هو المسلم الموجود الآن إلا ما ندر من أبناء المسلمين.

نعم هو باقٍ على دينه نحكم له بحكم الإسلام، ويُعطى حقوق المسلمين، وتُأخذ منه واجبات المسلمين، لكن أهو الذي يُهاب؟ أهو المسلم الذي ينصر بالرعب مسيرة شهر؟ أهو المسلم الحري بخرق العادات وسنن الكون؟ لا نظنه ذلك المسلم الذي بلغ تعداده في هذا الزمان مليار مسلم إلا ما ندر وقلّ حتى لا نكون مبالغين أو مجاوزين.

قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).

نعم يا عباد الله! لقد تعلقنا بالدنيا تعلقاً شديداً؛ لقد تعلقنا بهذا الحطام الفاني تعلقاً شديداً إلى حدٍ أن ألفنا الترف والراحة والدعة والخمول، إلى حدٍ جعلتنا لا نفكر في شأن مسلمٍ يئن ويصيح ويستغيث ويستنجد ويستفزع، لقد بلغ بنا حد الترف وبلغ بنا حد الدعة وبلغ بنا حد الخمول إلى درجة عجيبةٍ جداً.

إننا لنعجب يوم أن نسمع أخباراً عن الجهاد في فلسطين، عن شبابٍ يدفنون أحياء، عن نساء يغتصبن، عن حوامل يجهض حملهن من بطونهن، عن شبابٍ تكسر أيديهم وأرجلهم حتى لا يرفعون سلاحاً، عن أمةٍ شردت في أفغانستان، عن مليوني رأس تطايرت على أرض الجهاد، عن خمسة ملايين مهاجر، عن خمسمائة ألف يدٍ ورجلٍ وشلوٍ مزع وقطع والمسلمون سكارى في خمر شهوتهم، والمسلمون في غفلةٍ عظيمة.

يا زمان استفق! ويا ضمير انتبه! ويا مسلم استيقظ! أين أنت؟ وأين انتسابك لدينك؟ أين نخوتك؟ أين نجدتك؟ أين بذلك؟ أين معونتك؟ أين شهامتك؟ أين كرم الآباء؟ أين نخوة الأجداد؟ الله المستعان على زمانٍ مضى لأمة المسلمين كان لنا فيه عزة، صاحت امرأة قد اعتدي عليها؛ فسُير لها جيشٌ آخره في أرض الخلافة وأوله في عمورية، صاحت امرأة وقالت: وامعتصماه فبلغ الخليفة هذا النبأ فسير لها جيشاً أوله في عمورية وآخره في أرض الخلافة، والآن يا عباد الله! هل سمعتم صيحة نادت وامعتصماه؟ نعم والله سمعناها ولكن!

رب وامعتصماه انطلقت ملئ أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم

ألإسرائيل تبقى دولةٌ في حمى البيت وظل الحرم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015