أصناف الناس أمام الوقت

الحمد لله، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةً نرجو بها النجاة يوم القيامة، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة، ونصَح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتَرَكَنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102].

معاشر المؤمنين: بعد أيام قليلة أو أقل من قليلة يستقبل كثير من الشباب والطلاب، وربما رتَّب بعضُ الموظفين حساباته من أجل أن يوافقهم في استقبال إجازة طويلة تحتاج برنامج عملي جاد وتطبيق نافع، وإلا فستعود على أصحابها بالوبال وضياع أوقاتهم فيما لا جدوى فيه ولا طائل تحته.

أيها الإخوة: الناس أمام الوقت أصناف: فمنهم من يرى الوقت محنة؛ يبحث ويقلِّب في ألوان السبل للقضاء عليه ولقتله والتخلص من بياض نهاره وسواد ليله، فتراه يبحث عن مواقع اللهو ومواطن السياحة التي لم يفقه أو لم يعبأ أو لم يكترث بمآلها وعواقبها.

وآخرون ينظرون إلى الوقت غنيمة بكل ما تعنيه الغنيمة من معنى، فتحتاج إلى المبادرة بالاستفادة، وإلى الإعداد قبل الدخول فيها.

وأقوام تمر عليهم الأوقات يستوي فيها ليلها ونهارها، وجدها وهزلها، ونافعها وضارها، فهم كما قال القائل:

ولكنها عن قسوة القلب قحطها فيا ضيعة الأعمار تمضي سَبَهْلَلا

أيها الأحبة في الله: إن هذه الإجازة هي قطعة من العمر، هي قطعة من الحياة والزمن، وكل يوم يمضي منها فهو مقرِّب إلى القبر والموت واللحد والنهاية والآخرة، فالعاقل ينظر إلى هذه الإجازة أنها مطايا تحثه وتسير به إلى آخرته؛ نعم قد يُسَرُّ البعض بحلول هلال شهره، وزوال بدر شهره، وهو كما قال القائل أيضاً:

يَسُرُّ المرء ما ذهب الليالي وإن ذهابَهن له ذهابا

أيها الأحبة في الله: إن المتأمِّل في هذه الإجازة بعين البصيرة، وبمنطق الدليل، وهُدى الوحي من الكتاب والسنة، ليراها قطعة من عمره، وقطعة من حياته تقربه إلى الآخرة، فما تُراه صانعاً بقطعة من عمره؟! أيقتل قطعة من عمره؟! أيفني أياماً وليالي من حياته؟! أيتخلص من فرصة قد أوتيها ليعمل فيها ويزرعها ويغتنمها؟! أيتخلص منها حتى تنتهي بلا فائدة؟! إن ذاك والله هو الغبن الفاحش الواضح البيِّن، حيث يقول صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).

ومن تأمل حال المرضى والمشغولين، وَجَدَ الأصحاء والفارغين في نعمة، إما أنهم يستفيدوا منها أو يُغْبَنوا فيها.

انظر صحيحاً لم يجعل من صحته حظاً للصيام، ولم يجعل من قوته مكاناً للقيام والتهجُّد، ولم يجعل من عافيته سبباً لنفع الآخرين أو قضاء حاجاتهم، أو السعي إلى حِلَق الذكر ورياض الجنة، أو الجد في طلب العلم والدعوة إلى الله جل وعلا، أين مضى عُمُرُه؟ وأين ذهبت عافيتُه؟ وانظر إلى آخر لا شغل له؛ أيامه ولياليه مليئة بالساعات الفارغة فلم يصرف شيئاً منها فيما ينفعه في دينه أو دنياه، أو ينفع غيره بأي وجه من سبل النفع ومساعدة الآخرين: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).

ولذا جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (اغتَنِمْ خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك، وخذ من نفسك لنفسك، ومن دنياك لآخرتك).

الفراغ الذي يقدم عليه كثير من الشباب والبنات والرجال والنساء وغيرهم إن لم يُعد له برامج ومشاريع لتملأه وإلا فستمضي بلا فائدة من أعمارهم.

لذا أيها الأحبة حري بكل واحد منا أن ينظر فيما يملؤ وقته وفيما يشغل فراغه، ولينظر ما هو البرنامج الذي اختاره، هل ينفعه في دينه؟ أو ينفعه في دنياه؟ أو ينفعه في الدنيا والآخرة؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015