القومية ونعرتها الجاهلية

أيها الأحبة: إن نعرة القومية نعرة فاشلة، ولما أن سقطت بلاد المسلمين في يد المستعمرين، وأصبحت أمة الإسلام حمىً مباحاً، وعرضاً مدنساً، ودوحاً حلالاً، لكل غريب، ولكل شرير، ولكل كافر من يهودي ونصراني.

أراد من خدعوا الشعوب بدعوى جمع شمل الأمة من جديد، أرادوا أن يجمعوا الأمة تحت شعارٍ يلم شتاتهم، ويشد ما ارتخى من حزامهم، ويجمع شملهم، ويعيد صفوفهم، فكانت بولةً زرارية كبرى، أن جمعت الأمة في الستينات على شعار القومية العربية، وطبَّل الناصريون، وجعجع العلمانيون، وقلَّد الببغائيون والقرود، وتقلب الحربائيون وراء هذه الدعوى.

من المحيط الهادر إلى الخليج الثائر لبيك عبد الناصر وأخذوا يرددون هذا الشعار.

وقال الآخر:

هبوا لي ديناً يجعل العرب أمة وسيروا بجثماني على دين برهم

سلام على كفر يوحد بيننا وأهلاً وسهلاً بعده بجهنم

وماذا كان بعد ذلك؟ لقد عظمت الأشكال، أما النفوس فما تزال صغيرة، لقد كثرت الملابس أما الحقائق فما تزال حقيرة، وقيل لإسرائيل: إنها ستباد وستقتل:

زعم الفرزدق أن سيقتل مربعاً أبشر بطول سلامة يا مربع

وبعثت برقية عاجلة، للحيتان في البحار: يا معاشر الحيتان! تجوعوا فسنلقي باليهود إليكم، لتأكلوهم غداءً وعشاءً في أيام متتالية، تجوَّع يا بحر، كما صرح بذلك من صرح، وانخدع الحوت وما وجد طعاماً ونزلت الطائرات:

وأطفأت شهب الميراج أنجمنا وشمسنا وتحدت نارها الخطب

وقاتلت دوننا الأبواق صامتة أما الرجال فماتوا ثم أو هربوا

أيها الأحبة: شعار شبيه بالشعار الذي يطرحه بعض الجهلة، وإني لأجزم أن من يرفع دعوى العصبية اليوم في مجتمعنا الواحد، في أمتنا الواحدة، في جزيرتنا الآمنة، في حدودنا المطمئنة، إن الشعار الذي ربما دندن بعض من أراد أن يجتمع أو يحوم عليه، شبيه بذلك الشعار، ولكن يغفر لهؤلاء الجهل والسذاجة والبراءة، وعدم براءتهم من الدين، وعدم قصدهم بعد الإسلام، وإنما هي نعرة جاهلية.

أما أولئك القوميون العرب، فكانوا يرفعون الشعار يريدون أن يفصلوا الأمة عن العالم الإسلامي، عن الهند والسند وعن إندونيسيا وماليزيا وعن جميع المسلمين في جميع بقاع المعمورة، يريدون أن يجعلوها عربية قومية صرفة.

أعود فأقول -أيها الأحبة-: إننا لم نبعد كثيراً عن تاريخ توحيد المملكة عام (1351هـ) توحدت هذه البلاد الآمنة، وماذا كان قبلها، لعل أجدادنا أدركوا وعاشوا زمناً ما كانت الضعينة تأمن، وما كانت القافلة تسلم، وما كانت الأموال يطمأن عليها، وما كانت الأعراض في مأمن من أن ينالها ما ينالها.

أوبعد أن من الله علينا بجمع شملنا، وتقارب نفوسنا، ووحدة صفنا، في دولة واحدة، وفي مجتمع واحد، نجد من يرى نفسه من أهل نجد لينظر إلى أهل الحدود الشمالية أو الجنوبية نظرة الدون؟! أنجد من يرى نفسه من أهل الحجاز لينظر إلى من عاش في الشرق أو الغرب نظرة الدون؟! لا والله يا عباد الله إن أولئك فيهم من هم خير منا، وفينا من هو خير منهم، والخير مرتبط بالقرب من الله جل وعلا.

ما ارتبط قط لا بنسب، ولا بسبب عرقي، أو بنعرة عصبية، فإن أدركتم هذا استطعتم أن تجمعوا أمتكم على صراط واحد، وفي خيط واحد، وفي محجة واضحة، وإن عاش كل يسب من يقابله في الجهة، فذاك نذير الخطر، والخطر على من تكلم به، والخطر على من رفع هذه الراية، والخطر على من رفع هذا الشعار.

فعلينا -عباد الله- أن نتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يخذله، ولا يسلمه، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم) إن كان فيك احتقار لواحد من أهل الجنوب والشمال، أو الشرق والغرب، أو إن كان في واحد من أهل الجنوب أو الشرق أو الغرب أو الشمال احتقار لمسلم في أي جهة أخرى، نقول: يكفيه أن امتلأ قلبه شراً بنظرة الدون هذه، وبنظرة الاحتقار هذه.

ألا يا عباد الله: افعلوا ما يقربكم من الله، وابتغوا إليه الوسيلة، وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وجعلكم محل نعمته، ومحط رحمته، وجعل الخيرات تتدفق إلى أرضكم، والتفتوا يميناً وشمالاً إلى حدود بلادكم، تجدوا أرضاً ملتهبة، وتجدوا فتناً وقلاقل وبلاء ومصائب متعددة، فهل جزاء شكر نعمة الله إلا أن نسليها بالخضوع والركوع، والذكر والشكر له جل وعلا، بدلاً من أن نظن أننا لأننا من بني فلان أصابتنا هذه النعم، لا والله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015