كوسوفا في الماضي

أيها الأحبة! إن وصف المأساة ترجمته الصورة والخبر المنقول حياً على الهواء، وتلك أبلغ من الكلمة.

أعود إلى الماضي لأحدثكم قليلاً عن كوسوفا وأهلها، عن حقبة زمنيةٍ ماضيةٍ في التاريخ، لتعرفوا أن من الخطأ أن ننسب العداوة إلى الأعراق والطين، وننسى أن العداوة في العقيدة والدين، يقول سبحانه: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109].

من هم أهل الكتاب؟ اليهود والنصارى، ومن هم النصارى؟ الكفر بملله، الأرثوذكس والبروتستانت والكاثوليك والأرمن، فكلهم أولياء بعض، ولكن أشدهم عداوةً على طوائفهم وعلى المسلمين خاصة هم الأرثوذكس، وحسبكم أن تعلموا أن الكنيسة الروسية هي كنيسة أرثوذكسية، ويربطها حبلٌ من الولاء الشديد مع الصرب لاجتماعهم واتفاقهم في الملة والمعتقد والديانة، أو في فرع الملة والمعتقد والديانة، فالروس من النصارى الأرثوذكس، والصرب من النصارى الأرثوذكس.

ولذا لا غرابة أن نجد مع بعد المسافة، والبون الشاسع في الرقعة الجغرافية، والفواصل وغيرها إلا أن الروس هم أشد الناس وقوفاً أمام الناس في هذه المعركة، ليست رحمةً بهؤلاء البيض، فالمسلمون أيضاً بيض مثلهم، لكنها رحمةٌ بالأرثوذكس.

أيها الأحبة! تأملوا قول الله عز وجل: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة:105]، وتأملوا قول الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة:217].

فعلى الرغم مما سمعنا وما تردد في كثيرٍ من وسائل الإعلام، أن الحرب بين الإسلام والجاهلية هي حربٌ لن تعود إلى السيف والدم، ولن تعود إلى القصف والقتل، لكنها حربٌ فكرية، وعلى المسلمين بناءً على هذا أن يتركوا الإعداد، وأن يتركوا التدريب العسكري، ومن يتدرب من شباب المسلمين تدريباً عسكرياً في أي رقعةٍ من بقاع الأرض فذلك إرهابيٌ متطرفٌ لا همَّ له سوى التدمير والقتل والتفجير، ولا حاجة إلى هذا النوع من الإعداد في المعركة القادمة لأنها معركة فكرٍ وإعلام، إنها المعركة الحالية، والمعركة القادمة معركة فكرٍ وإعلام، ومعركة كفرٍ وإسلام، ومعركة دبابة، ومعركة بندقية، ومعركة قلمٍ وصحيفةٍ وكتابٍ وجريدةٍ وطائرةٍ وقنبلة، فإنه من الكبائر أن يفصل شباب الإسلام في الإعداد عن الجانب العسكري، ويقال لهم: أعدوا إعداداً فكرياً أو تربوياً فقط.

أيها المسلمون! من الذي سوف يدافع عن المسلمين هناك؟ جوابٌ أدعه لكم، لتضعوا كل ما يخطر على بالكم من الأجوبة، ولتعلموا أن من المقاصد الفرعية الجزئية، عزل المسلمين عن السلاح مباشرة.

أيها الأحبة! إنها عداوة الكنيسة قبل عداوة الدوما، وعداوة الدين قبل الطين، إقليم كوسوفا معظم سكانه ألبان، تبلغ نسبتهم (90%) وينحدرون من قبائل هندو أوروبية، وصلوا إلى هذه المنطقة قبل أن يسكنها أحد حتى اليونانيون، لم يكونوا من قبل في تلك الرقعة الخالية، كما ينازع الصرب ويدعون، وأرض كوسوفا أرضٌ خصبةٌ مليئةٌ بالثروات الطبيعية، ويوجد بها مناجم ذهبٍ وفحمٍ وزنكٍ ورصاص.

ولذا كانت كوسوفا مطمعاً للأعداء، تبلغ نسبة المسلمين في كوسوفا أكثر من (95%) وقد وقعت معركة كوسوفا بين المسلمين والصرب قبل ستمائة سنة، ليست هذه المعركة الثالثة، ولا الثانية، بل قبلها معارك، والأولى كانت قبل ستمائة سنة عام (1389م) وانتصر المسلمون فيها نصراً مؤزراً، وأصبحت هذه المعركة تعتبر منعطفاً في تاريخهم، حتى أصبح التاريخ الصربي يقسم إلى قسمين: ما قبل كوسوفا وما بعد كوسوفا؛ لأن هذه المعركة أنهت نهايةً تامة الدولة الصربية ذلك الوقت، وإحدى المعارك الحاسمة، بين المسلمين والنصارى في أوروبا.

وكان قائد المسلمين فيها السلطان العثماني مراد، وهو أحد سلاطين الدولة والخلافة آنذاك يرحمه الله، وقد بسط العثمانيون حكمهم على كوسوفا سنة (1455م) ومنذُُ ذلك الوقت والصرب يرددون ويروجون دعوى تحرير كوسوفا بزعمهم، وبعد معارك عديدة خلال عشرات السنين اندلعت حرب البلقان عام (1912م) اجتاح خلالها الصرب كوسوفا، وبادر الصرب بالتطهير العرقي وقتل وتهجير المسلمين الألبان، بل أرغمت المسلمين الذين كان عددهم آنذاك (95%) وأرغمت الكاثوليك الذين كان عددهم (5%) على اعتناق الأرثوذكسية، وفعلت صربيا كما يفعل اليهود اليوم في فلسطين، في تطبيق سياسة الاستيطان للصرب، في إقليم كوسوفا، فأخذوا يستقدمون الصرب من مناطق أخرى، ويوطنونهم في كوسوفا، ويهجرون المسلمين ذات اليمين وذات الشمال.

وبعدها اندلعت الحرب العالمية الأولى عام (1914م) وكانت شرارة الحرب العالمية من هذه المنطقة التي تدور رحى الحرب الآن فيها بين الدوما والناتو، نعم.

شنشنةٌ نعرفها من أخزم، وذلك شأن هذه الملة المجرمة التي في النصارى، وكانت المعركة الأولى العالمية، كانت في الأصل بين النمسا وصربيا، اخترقت على إثرها القوات النمساوية صربيا، في نهاية عام (1915م) ومنح النمساويون الألبان في كوسوفا نوعاً من الحكم الذاتي حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما دخلت قوات الحلفاء الفرنسية مع الجيش الصربي كوسوفا سنة (1918م) واعتبر الصرب أن ذلك هو التحرير الثاني، وبعدها فقد الألبان في كوسوفا الحكم الذاتي الذي تمتعوا به خلال الحكم النمساوي، وانبعثت من جديد سياسة الاستيطان التي كانت قد بدأت قبل الحرب العالمية الأولى، إلا أن عملية التصريف توقفت مرةً أخرى، عندما اندلعت الحرب العالمية الثانية، عام (1939م) وانضمت معظم كوسوفا إلى ألبانيا وحدثت هجرةٌ مرتدة للمستوطنين الصرب، وبعد وعود من تيتو حاكم يوغسلافيا سابقاً بأن يقرر السكان مصيرهم بأنفسهم إذا حملوا السلاح وشاركوه في تحرير إقليم كوسوفا وغيره من الأقاليم.

وبعد ذلك تأسس حكمٌ ذاتيٌ لـ كوسوفا ولكن في ظل هيمنة صربية عام (1945م) أي: بعد قرابة ست سنوات من اندلاع الحرب العالمية الثانية، واستمر حتى عام (1989م) إلى أن قام مجرم الحرب سلبودان ميلزوفتش ( Melzofetsh Slebodan) بإلغائه عام (1989م) في الوقت الذي منحت فيه بقية الجمهوريات الحكم الذاتي مما تسبب في هذه الأحداث التي ترونها الآن.

أيها الأحبة! ليست العداوات مفاجئة وما يوم حليمة بسر:

قد ينبت المرعى على دمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هي

فإلى كل الأغبياء الذين يريدون أن ينسوا الماضي، وإلى كل الذين يقولون: لا علاقة بين الشعوب إلا علاقة المصالح، لينسوا أن قضايا الدين والعقيدة والملة هي التي تدفع الشعوب وتحركها، وتفني أمماً وتهجر أقواماً وتشتت أجيالاً، إلى أولئك جميعاً نقول: هل تحتاجون بعد الشمس إلى دليل؟! هل تحتاجون إلى برهان لتفهموا وتعرفوا أن العداوة عقدية ودينية؟! والقضية التي يتحدث عنها كثيرٌ من الناس هي الحرب بين الناتو من جهة والصرب من جهةٍ أخرى، وتلك وإن كانت مسألة كبيرة وخطيرة، إلا أنها لا تساوي شيئاً أمام تهجير المسلمين وتشريدهم، وتنصير أطفالهم بعد أن تتقاسمهم الأديرة والكنائس ليتربوا هناك في ملاجئ ومهاجر مشتتة في أنحاء أوروبا، هل يبقى بعد ذلك انتماء، هل تصمد هوية؟ هذا هو الوجه الأخطر للحرب القادمة.

نعم إن دمار المباني والمنشآت الصربية إن كان يسرنا ما نراه، من إيلامٍ وقرحٍ يمس الصرب على يد الناتو من خلال ضرباتٍ عسكرية متتابعة على أم رأس الصرب، لكن بيقين أن حفنة من ملايين الدولارات أو ملياراتها تعيد البناء أحسن مما كان.

فضلاً عن قلة المتضررين بشرياً من الصرب، لكن من يعيد المسلمين الذين تهجروا، هل تردهم المليارات والملايين، من يعيد المسلمين الذين هم المصيبة العظمى -الجيل المهاجر- من كوسوفا إلى أكثر من عشرين دولة أوروبية في كل دولةٍ جزءٌ منهم، وكل جزءٍ منهم مشتت في مدنٍ مختلفة، وكل مدينة ٍتوزعهم في أحياء مختلفة، والأيتام والصبايا يتربون في الأديرة والكنائس.

هل يبقى لمسلمٍ هوية؟ هل يبقى لفتاةٍ مسلمةٍ عرض؟ هل يبقى لامرأةٍ مسلمةٍ عفاف؟ هل يبقى لطفلٍ مسلمٍ دينٌ يرضعه من لبن أمه؟ أو مجتمعٌ أو هويةٌ ينتمي إليها وتمتُ إلى الإسلام بصلة؟!!

صلى الله عليه وسلم هذا بعيدٌ جداً إلا أن يشاء الله، لذا نصيحتنا: أن يظل المسلمون حول أتون الصراع، وعلى فوهة البركان، وأن يبقوا ولا يبرحوا ولو حول هذه المنطقة، ولو في المناطق المجاورة لبلدهم ووطنهم حتى لا يُذوب تحت دعوة الرحمة الإنسانية على يد الكنائس التنصيرية التبشيرية التي تشتتهم وتجعل لكل كنيسة منهم جزءاً مقسوماً.

لسنا نقول: عليهم أن يبقوا تحت قصف الطائرات وأزيز الرصاص، لكن لا يبعدوا طويلاً، ولا يسلموا أنفسهم ليستوطنوا هذه الهجرة الطويلة، منذ أشهرٍ قليلة، كنتُ بـ استكهولم piystkhoolm في السويد وفاجأ كل وسائل الإعلام نبأ انهيار مرقصٍ في جوتنبرج Gotonbearg على مئات من الأطفال والشباب والصبايا والفتيات، ولما تبينت الإحصائية وأخبرت أخبارها اتضح أن أغلب الموتى والهلكى هم من أطفال المسلمين الذين تشردوا وأخذتهم السويد لاجئين وقبلت بلجوئهم، لكن لجئوا إلى ماذا؟ وأين عاشوا وباتوا؟ في الكنائس والمراقص وفي الأديرة والنوادي الليلية، وهذا هو المصير المراد بالمسلمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015