وآياته الفعلية التي خلقها في الأنفس والآفاق، تدل عليه وتحصل بها التبصرة والذكرى، وإن كان الرب تعالى قد عرفته الفطرة قبل هذا، ثم حصل له نوع من الجهل أو الشك أو النسيان ونحو ذلك.

ومما ينبغي أن يعرف أن علم الإنسان بالشيء وتصوره له شيء، وعلمه بأنه عالم به شيء، وعلمه بأن علمه حصل بالطريق المعين شيء ثالث.

وكذلك إرادته وحبه شيء، وعلمه بأنه مريد محب له شيء، وكون الإرادة والمحبة حصلت بالطريق المعين شيء ثالث.

فالمتوضىء والمصلي والصائم يحصل في قلبه نية ضرورية للفعل الاختياري، ولا يمكنه دفع ذلك عن نفسه، وإن لم يتكلم بالنية، ثم قد يظن أن النية إنما حصلت بتكلمه بها، وهو غالط في ذلك.

وكذلك قد يحصل له علم ضروري بمخبر الأخبار المتواترة، ثم ينظر في دلالة الخبر، فيظن أن العلم الحاصل له لم يحصل إلا بالنظر، وهو قد كان قبل النظر عالماً.

وقد يقال: إن النظر وكد ذلك العلم أو أحضره في النفس بعد ذهول النفس عنه، وهذا مما يبين لك أن كثيراً من النظار يظنون أنهم لم يعرفوا الله بالطريق المعين من النظر الذي سلكوه، وقد يكون صحيحاً، وقد يكون فاسداً.

فإن كان فاسداً فهو لا يوجب العلم، وهم يظنون أن العلم إنما حصل به، وهم غالطون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015