قوله: ((إذا تبايع الرجلان فكلُّ واحد منهما بالخيار ما لم يتفرَّقا)) ؛ أي: فينقطع الخيار.

وقوله: ((وكانا جميعًا)) تأكيد لذلك.

قوله: ((أو يخير أحدهما الآخر)) ؛ أي: إذا اشترط أحدهما الخيار مدَّة معلومة فإن الخيار لا ينقضي بالتفرُّق بل يبقى حتى تنقضي مدَّة الخيار التي شرطها، فالبيع جائز والشرط لازم؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالاً أو أحلَّ حرامًا)) والخيار طلب أحد الأمرين من إمضاء البيع أو فسخه، والحديث دليلٌ على ثبوت خيار المجلس للبائع والمشتري، فلكلِّ واحدٍ منهما فسخ البيع ما داما في مجلس العقد، فإذا تفرَّقا لزم البيع، وفيه دليل على خيار الشرط.

قال شيخ الإسلام: ويثبت خيار المجلس في البيع وفي كل العقود ولو طالت المدَّة، فإن أطلقا الخيار ولم يؤقتا بمدَّة توجَّه أن يثبت ثلاثًا لخبر حبان بن منقذ: وللبائع الفسخ في مدَّة الخيار إذا ردَّ الثمن وإلا فلا، انتهى.

وخبر حبان أخرجه أصحاب السنن، عن ابن عمر: أن حبان بن منقذ سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه، فكان إذا بايع يخدع في البيع، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((بايع وقل لا خلابة ثم أنت بالخيار ثلاثًا)) ، قال ابن عمر: فسمعته يبايع ويقول: لا خذابة لا خذابة.

قوله: ((فإن صدقًا وبيّنًا)) ؛ أي: إن صدقا في قولهما وبيَّن البائع عيب السلعة وبيَّن المشتري عيب الثمن ((بُورِك لهما في بيعهما، وإن كتما)) : أي العيب ((وكذبا)) في قولهما ((مُحِقت بركة بيعهما)) ، وفي الحديث فضل الصدق والحث عليه، وذم الكذب والتحذير منه، وأنه سبب لذهاب البركة، وأن العمل الصالح يحصل حيري الدنيا والآخرة، والله المستعان.

تتمَّة:

قال في "الاختيارات": والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كلِّ عيب، والذي قضى به الصحابة وعليه أكثر أهل العلم: أن البائع إذا لم يكن علم بذلك العيب فلا رد للمشتري، لكن إذا ادَّعى أن البائع علم بذلك فأنكر البائع حلف أنه لم يعلم، فإن نكل قضى عليه، وإذا اشترى شيئًا فظهر به على عيب فله أرشه إن تعذَّر رده وإلا فلا، وهو روايةٌ عن أحمد ومذهب أبي حنيفة والشافعي، وكذا

في نظائره كالصفقة إذا تفرقت، والبيع بالصفة السليمة صحيح وهو مذهب أحمد، وإن باعه لبنًا موصوفًا في الذمة واشتراط كونه من هذه الشاة أو البقرة صحَّ، انتهى.

* * *

طور بواسطة نورين ميديا © 2015