الشاة المسمومة وقالت: فيَّ سَمّ فلا تأكلْني (?) , فكلّ هذه الأمور وما يشابهها أعجب من كلام الطير والنملة , وكان في تكليم هذه الأشياء لنبيّنا - صلى الله عليه وسلم - معجزات كالتسليم عليه بالنبوة , والشهادة له بالرسالة , والتصديق لما (?) جاء به , والتوسّل إليه والتشفع (?) به في الشدائد , بخلاف كلام الطير والنملة , فإنّ ذلك لم يكن لإظهار المعجز لسليمان عليه الصلاة والسلام , وإنما كان شيئاً علّمه إيّاه فسمع ذلك فيفهمه (?) كما يسمع من يعرف لسان الفارسي فارسيّاً يتكلم أو يُكلّمه فيفهم ما يقول , فهي فضيلة واحدة: وهي فهم كلامِ ذلك المتكلم , وفهم محمّد - صلى الله عليه وسلم - لتلك الأشياء كان فيه هذه الفضيلة وفيه معجزة تخبر برسالته وأمور أخرى كما تقدّم , وإنما كان تبليغ الهدهد رسالةَ سليمان عليه الصلاة والسلام إعانة له على تبليغها , وقد كان يمكنه إرسالها مع غير الهدهد مما سخّر الله تعالى له [ق 46/و] من الريح والجنّ وغير ذلك , ومُبلّغوا رَسائل محمّد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أصحابَه الذين يتكلّمون بما لا يمكن غيرهم من التبليغ ما يمكنهم كما هو معروف في سيرته , وأما النملة فإنما كان كلامُها لمصلحتها ومصلحة النمل , لا لمصلحة سليمان عليه الصلاة والسلام ولا إظهاراً لمعجزته , بل خوفاً من أن يحطمها سليمانُ وجنوده وهم لا يشعرون , ففهّم الله تعالى سليمان عليه الصلاة والسلام كلامَها , وهو فضيلة جليلة لكن فضيلة محمّد - صلى الله عليه وسلم - أعظمُ لما قدّمناه , وأبلغ من ذلك أن الحجر والشجر الجمادَين يكلّمان أمّةَ محمّد - صلى الله عليه وسلم - , وذلك ما روي في الصحاح وغيرها عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لاتقوم السّاعة حتى يُقاتل المسلمون اليهودَ , فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهوديّ من وراء الحجر والشّجر , فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبدالله هذا يهوديّ خلفي فتعال فاقتله , إلا (?) الغرقد فإنّه من شجر اليهود» (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015