باحثاً في قيام دولة العرب، وفي أسباب عظمتهم وانحطاطهم، مبتعداً عن أوهام الأوربيين التقليدية في العرب والإسلام.

وقد استعان لوبون بطريقة التحليل العلمي على الخصوص، فأوضح في هذا الكتاب الصلة بين الحاضر والماضي، ووصف فيه يمزق العرب وبيئاتهم، ودرس فيه أخلاقهم وعاداتهم وطبائعهم ونظمهم ومعتقداتهم وعلومهم وآدابهم وفنونهم وصناعتهم وتأثيرهم في المشرق والمغرب، وأسباب عظمتهم وانحطاطهم.

2

لم يكن العرب، على رأي لوبون، من الأجلاف قبل الإسلام، وقد رأى أن السجايا الخُلقية للعرق العربي هي التي عينت اتجاهه، وأنه، وإن أمكن ظهور حضارة أمة ولغتها بغتة على مسرح التاريخ، لا يكون هذا إلا نتيجة نضج بطيء، وأن تطور الأشخاص والأمم والنظم والمعتقدات لا يتم إلا بالتدريج، وأن درجة التطور العالية التي تبدو للعيان لا تبلغ إلا بعد الصعود في درجات أخرَ، فإذا ما ظهرت أمة ذاتُ حضارة راقية كانت هذه الحضارة ثمرة ماضٍ طويل، ورأى لوبون، أيضاً، أن جهل الناس لهذا الماضي الطويل لا يعني عدم وجوده، وأن الحضارة التي أقامها العرب في أقل من مائة سنة، وهي من أنضر الحضارات التي عرفها التاريخ، ليس مما يأتي عفواً، وأنه كان للعرب قبل الإسلام حضارة لم تكن دون حضارة الأشوريين والبابليين تقدماً، وكان العرب، عدا الآثار القليلة التي كشف عنها، لغةٌ ناضجة وآداب راقية، وكان العرب ذوي صلات تجارية بارتي أمم العالم عالمين بما يتيم خارج جزيرتهم، فالعرب الذين هذا شأنهم كانوا، لا ريب، من ذوي القرائح التي لا تتم إلا بتوالي الوراثة وبثقافة سائقة مستمرة، والعرب الذين صقلت أدمغتهم على هذا الوجه استطاعوا أن يبدعوا حضارتهم الزاهرة بعد خروجهم من جزيرتهم في مدة قصيرة.

ثم أيد لوبون وجهة نظره بقوله: «إن البرابرة الذين قوضوا دعائم الإمبراطورية الرومانية قاموا بجهود عظيمة دامت قروناً كثيرة قبل أن يقيموا حضارةً على أنقاض الحضارة اللاتينية، ويخرجوا من ظلمات القرون الوسطى».

ثم ذهب لوبون إلى أن المعتقدات القديمة في جزيرة العرب كانت قد ضعفت، وفقدت الأصنام قوتها ودب الهرم في آلهتها، وأنه كان في الجزيرة العربية، خلا النصارى واليهود، من كانوا يعيدون إلهاً واحداً، وهم الحنفاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015