الفصل الأول أهل البدو وأهل الأرياف من العرب

الفصل الأول

أهل البدو وأهل الأرياف من العرب

(1) تمثل حياة قدماء العرب

سنحاول أن نرسم بإيجاز، في هذا الفصل والفصل الذي يليه، حياة العرب بعد ظهور محمد ببضعة قرون، فبالبحث في طبائع العرب وعاداتهم نستطيع أن نقف على مصدر نظمهم السياسية والاجتماعية التي كانت سائدة لدولتهم.

ونستنبط خطوط هذا الرسم الموجز الأساسية من التأمل في حال العرب المعاصرين، واستقراء مثل هذا لا يصلح لغير عدد قليل من الأمم، ولا سيما الأمم الشرقية التي ندرس تاريخها.

وسرعة التحول من أظهر ما تتصف به حضارة أمم الغرب، فإذا ما قابلنا بين عصر شارلمان وعصر لويس الرابع عشر مثلاً بدا لنا عالمان مختلفان أشد الاختلاف في الفن والصناعة والعلم والحياة الاجتماعية واللغة.

ولكن التحولات التي تحدث بين دور وآخر لا تبدو بعيدة الغور إلا لأن التاريخ لا يبالي بغير الطبقات الاجتماعية العليا، فإذا ما نظرنا إلى الطبقات الوسطى أو الدنيا التي هي ركن كل أمة رأينا تحولها ضعيفاً إلى الغاية، فالعلوم والآداب والفنون والصناعات التي تتألف من مجموعها حضارة أحد الأدوار لم تكن غير ذات تأثير ضئيلٍ في المجموع مع انقضاء القرون؛ فالفرق بين صاحب لشارل مارتل وأحد حفدته في زمن لويس الرابع عشر عظيم لا ريب، وهو ضعيف بين حداد أو تاجر أو فلاح في عصر الأول وبنيه في عصر الثاني، واليوم قلما نجد فرقاً بين الفلاح البريتاني الحاضر وأجداده الذين ظهروا منذ ألف سنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015