وإفريقية لهم سادةً غير أتباع محمد فيما مضى، ولم يعرفوا لهم سادةً غير مسلمين بعد أن رضوا بالإسلام ديناً.

حقاً إن من أعاجيب التاريخ أن يلبي نداء تلك المتهوس الشهير شعبٌ جامحٌ شديد الشكيمة لم يقدر على قهره فاتح، وأن تنهار أمام اسمه أقوى الدول وألا يزال يمسك، وهو في جدثه، ملايين من الناس تحت لواء شرعه.

ويجب احترام أعاظم مؤسسي الأديان والدول، وإن وصفهم العلم الحديث بذوي الهوس، وحق له ذلك، ففيهم تتجلى روح الزمن وعبقرية القوم، وبلسانهم تنطق أجيالٌ من الأجداد راقدةٌ في ثنايا العصور، والخيالات، وإن كانت كل ما يأتي به هؤلاء المبدعون لمثلٍ عالية، هي التي أوجدت كياننا الحاضر ولا تقوم بغيرها حضارة، ولم يكن التاريخ سوى قصصٍ للحوادث التي أقام بها الإنسان خيالاً فعبده ثم هدمه.

والحضارة العربية من صنع قومٍ من شباه البرابرة، فلما خرج هؤلاء القوم من صحارى جزيرة العرب صرعوا الفرس واليونان والرومان، وأقاموا دولة عظيمة امتد سلطانها من الهند إلى إسبانية، وأبدعوا تلك الآثار التي هي آية في الإعجاز والتي تورث بقاياها العجب العجاب.

فما العوامل التي ظهرت؛ ونمت بها حضارة العرب ودولتهم؟ وما أسباب عظمتهم وانحطاطهم؟

حقاً إن ما ذكره المؤرخون ضعيف إلى الغاية، ولا يقف أمام سلطان النقد، وطريقة التحليل العلمي أفضل وسيلة لإيضاح شأن أمةٍ كالأمة العربية.

والغرب وليد الشرق، ولا يزال مفتاح ماضي الحوادث في الشرق، فعلى العلماء أن يبحثوا عن هذا المفتاح فيه.

وتبدو الفنون واللغات وأكثر الديانات العظمى بارزةً في الشرق، ويختلف سكان الشرق الآن عن سكان البلدان الأخرى في المبادئ والآراء والمشاعر.

والشرق يتحول ببطء، ويقترب حاضره عن ماضيه، ويستطيع من يبحث في أحواله الحاضرة أن يصل إلى صميم الأجيال الغابرة.

والشرق مرجعٌ دائم لرجال الفن والعلم والأدب، وما أكثر ما جلست تحت نخلة أو أمام معبد فأخذتني سنةٌ، وخضت في بحر من الخيالات، وأبصر من خلالها سالف الأجيال، وتمثلت في مدنٌ غريبة ذات أبراج مشرفة، وقصورٌ عجيبةٌ ومعابد شامخةٌ ومآذن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015