وقوله: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} . (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

=: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} 1. (حنيفا) أي منحرفا عن الشرك إلى التوحيد، مقبلا على الله، معرضا عن كل ما سواه، فالحنيف هو المستقيم، وعند العرب ما كان على دين إبراهيم، وانتصب (حنيفا) على الحال.: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 2 فارقهم بالقلب واللسان والبدن، وأنكر ما كانوا عليه من الشرك، وما ذاك إلا من أجل تحقيقه التوحيد، بل ضم إلى ذلك البراءة من المشركين، وعاب ما كانوا عليه وكفرهم، كما قال الله عنه: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} 3، فتبرأ من العابد قبل المعبود، وضم إلى ذلك أن اعتزلهم، فلم يكن منهم بأي اعتبار كان.

قال تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} 4 إلى قوله: {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ} فهذا هو تحقيق التوحيد، وبه تظهر مناسبة الآية للترجمة، حيث وصف خليله بهذه الصفات التي هي الغاية في تحقيق التوحيد، وقد أمرنا بالتأسي والاقتداء به، فقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} 5. وقال المصنف: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} 6) لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين، {قَانِتاً لِلَّهِ} لا للملوك ولا للتجار المترفين. {حَنِيفاً} لا يميل يمينا ولا شمالا كفعل العلماء المفتونين.: {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 7 خلافا لمن كثر سوادهم، وزعم أنه من المسلمين.

(1) وصف المؤمنين السابقين إلى الجنة فأثنى عليهم بهذه الصفات الحميدة، فقال: {إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} 8 خائفون وجلون.: {وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ} 9 أي يؤمنون بآياته الكونية والشرعية، ثم طبع على أعمالهم الصالحة بطابع الإخلاص، وهو السلامة من الشرك قليله وكثيره، صغيره وكبيره، فقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ} 10 لا يعبدون معه غيره، بل يوحدونه، ويعلمون أنه لا إله إلا هو الأحد الصمد، ومن كان كذلك فقد بلغ النهاية من تحقيق التوحيد، =

طور بواسطة نورين ميديا © 2015