عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه (1)

ـــــــــــــــــــــــــــــ

= المشروط هو ظلم العبد نفسه، وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه، فقالوا: يا رسول الله وأينا لم يظلم نفسه؟ قال: " ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم: بشرك، أو لم تسمعوا إلى قول لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} 1 ". فبين صلى الله عليه وسلم أن من لم يلبس إيمانه بهذا الظلم كان من أهل الأمن والاهتداء، كما كان أيضا من أهل الاصطفاء في قوله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ} 2، فمن سلم من أجناس الظلم الثلاثة، الشرك، وظلم العباد في نفس أو مال أو عرض، وظلم نفسه بما دون الشرك، كان له الأمن التام والاهتداء التام، ومن لم يسلم من ظلمه لنفسه كان له الأمن والاهتداء مطلقا، بمعنى أنه لا بد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك، ويحصل له من نقص الأمن والاهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه، كما لو ظلمها ببخله ببعض الواجبات حبا للمال، أو أحب ما يبغضه الله حتى يقدم هواه على محبة الله ونحو ذلك.

وليس مراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "بشرك" الشرك الأكبر، فيؤخذ منه أن من لم يشرك الشرك الأكبر يكون له الأمن التام والاهتداء التام، بل مراده صلى الله عليه وسلم نفي نوعي الشرك، فإن أهل الكبائر معرضون للوعيد، مع أنها دون الشرك الأصغر بإجماع أهل السنة، ومع ذلك لم يحصل لهم الأمن التام والاهتداء التام، كما وردت به نصوص الكتاب والسنة، فصاحب الشرك الأصغر أولى بلحوق الوعيد له، فظهرت مطابقة الآية للترجمة، وذلك أن من مات على التوحيد لم يلبسه بشرك فله الأمن على ما تقدم، بخلاف غيره من الأعمال مع عدمه، فتبين بذلك أفضلية التوحيد وأنه السبب في النجاة من النار.

(2) ابن قيس بن أصرم الخزرجي الأنصاري أحد النقباء، شهد بدرا وما بعدها، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، مات بالرملة سنة 34 هـ، وله 72.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015