قوله: "إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني فحكمت بينهم". أي: أنا لم أُكَنّ نفسي بهذه الكنية، وإنما كنت أحكم بين قومي فكنوني بها. وفيه جواز التحاكم إلى من يصلح للقضاء، وإن لم يكن قاضيًا، وأنه يلزم حكمه. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أحسن هذا". قال الخلخالي: للتعجب، أي: الحكم بين الناس حسن، ولكن هذه الكنية غير حسنة. وقال غيره: أي: الذي ذكرته من الحكم بالعدل. وقيل: ما أحسن هذا! أي: ما ذكرت من وجه الكنية. قال بعضهم: وهو الأولى. قلت: فعلى هذا يكون حكمه لقومه قبل إسلامه، إذ يبعد أن يكون قاضيًا لهم قبل أن يلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتعلم منه; لأن هذه القصة كانت بعد إسلامه بقليل، لأنه كان مع وفد قومه حين أسلموا، وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولا يظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَسِّنُ أمر حكام الجاهلية.

قوله: "قال: شريح ومسلم وعبد الله". صريح في أن الواو لا تقتضي الترتيب وإنما تقتضي مطلق الجمع، فلذا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأكبر، إذ لو كانت دالة على الترتيب لم يحتج إلى سؤال عن أكبرهم.

قوله: "فأنت أبو شريح"، أي رعاية للأكبر منا في التكريم والإجلال، فإن الكبير أولى بذلك. قال في "شرح السنة": فيه أن يكنى الرجل بأكبر بنيه، فإن لم يكن له ابن، فبأكبر بناته. وكذلك المرأة تكنى بأكبر بنيها فإن لم يكن لها ابن فبأكبر بناتها. انتهى. وفيه تقديم الأكبر، وفيه أن استعمال اللفظ الشريف الحسن مكروه في حق من ليس كذلك، ومنه أن يقول المملوك لسيده وغيره: "ربي" نبه عليه ابن القيم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015