مرات لا تتناهى، فكابروا العقول وكذبوا المنقول، ولهذا قالوا {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} 1. قال ابن جرير: أي: وما يهلكنا فيفنينا إلا مر الليالي والأيام، وطول العمر إنكارًا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم. ثم روى بإسناد على شرط "الصحيحين" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان أهل الجاهلية يقولون: إنما يهلكنا الليل والنهار، وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا". فقال الله في كتابه: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ} 2. قال فيسبون الدهر فقال الله تبارك وتعالى: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار" 3. قوله: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} 4. قال ابن جرير: يعني: من يقين علم {إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ} 5. قال ابن كثير: يتوهمون ويتخيلون.

فإن قلت: فأين مطابقة الآية للترجمة إذا كانت خبرًا عن الدهرية المشركين؟

قيل: المطابقة ظاهرة، لأن من سب الدهر فقد شاركهم في سبه، وإن لم يشاركهم في الاعتقاد.

[النهي عن سب الدهر]

قال في "الصحيح" عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر أقلب الليل والنهار" 6. وفي رواية: "لا تسبوا الدهر فإن الدهر هو الله" 7.

ش: قوله: في "الصحيح"، أي: "صحيح البخاري". ورواه أحمد بهذا اللفظ، وأخرجه مسلم بلفظ آخر.

قوله: "يؤذيني ابن آدم يسب الدهر"، فيه أن سب الدهر يؤذي الله تبارك وتعالى. قال الشافعي في تأويله والله أعلم: إن العرب كان من شأنها أن تذم الدهر، وتسبه عند المصائب التي تنْزل بهم، من موت، أو هرم، أو تلف، أو غير ذلك، فيقولون: إنما يهلكنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015