عند أهوائهم.

قلت: وإنما يحمل الإنسان على إرضاء الخلق بسخط الخالق هو الخوف منهم، فلو كان خوفه خالصًا لله لما أرضاهم بسخطه، فإن العبيد فقراء عاجزون لا قدرة لهم على نفع ولا ضر البتة، وما بهم من نعمة فمن الله، فكيف يحسن بالموحد المخلص أن يؤثر رضاهم على رضاء رب العالمين الذي له الملك كله، وله الحمد كله، وبيده الخير كله، ومنه الخير كله، {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ} ، [هود، من الآية: 123] ، {لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ، [آل عمران، من الآية: 6] . وقد أخبر تعالى أن ذلك من صفات المنافقين في قوله: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} وما أحسن ما قيل:

إذا صح منك الود يا غاية المنى ... فكل الذي فوق التراب تراب

قال ابن رجب: فمن تحقق أن كل مخلوق فوق التراب، فهو تراب، فكيف يقدم طاعة من هو تراب على طاعة رب الأرباب؟! أم كيف يرضي التراب بسخط الملك الوهاب؟! {إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} ، [صّ، من الآية: 5] .

وفي الحديث عقوبة من خاف الناس وآثر رضاهم على رضي الله، وأن العقوبة قد تكون في الدين عياذًا بالله من ذلك. فإن المصيبة في الأديان أعظم من المصيبة في الأموال والأبدان. وفيه شدة الخوف على عقوبات الذنوب، لا سيما في الدين، فإن كثيرًا من الناس يفعل المعاصي ويستهين ولا يرى أثرًا لعقوبتها، ولا يدري المسكين بماذا أُصيب فقد تكون عقوبته في قلبه كما قال تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ} . اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، وبعفوك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015