161

{161 - 165} {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} .

يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول ويعلن بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة، والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح، الذي عليه الأنبياء والمرسلون، خصوصا إمام الحنفاء، ووالد من بعث من بعد موته من الأنبياء، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الدين الحنيف المائل عن كل دين غير مستقيم، من أديان أهل الانحراف، كاليهود والنصارى والمشركين.

وهذا عموم، ثم خصص من ذلك أشرف العبادات فقال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي} أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان والجوارح، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس من المال، لما هو أحب إليها وهو الله تعالى.

ومن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله. وقوله: {وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي} أي: ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله عليَّ، وما يقدر عليَّ في مماتي، الجميع {لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} {لا شَرِيكَ لَهُ} في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير، وليس هذا الإخلاص لله ابتداعا مني، وبدعا أتيته من تلقاء نفسي، بل {بِذَلِكَ أُمِرْتُ} أمرا حتما، لا أخرج من التبعة إلا بامتثاله {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} من هذه الأمة.

{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ} من المخلوقين {أَبْغِي رَبًّا} أي: يحسن ذلك ويليق بي، أن أتخذ غيره، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته، منقادون لأمره؟ ".

فتعين علي وعلى غيري، أن يتخذ الله ربا، ويرضى به، وألا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين.

ثم رغب ورهب بذكر (?) الجزاء فقال: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ} من خير وشر {إِلا عَلَيْهَا} كما قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا} .

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} بل كل عليه وزر نفسه، وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره، فإن عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء.

{ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ} يوم -[283]- القيامة {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} من خير وشر، ويجازيكم على ذلك أوفى الجزاء.

{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ} أي: يخلف بعضكم بعضا، واستخلفكم الله في الأرض، وسخَّر لكم جميع ما فيها، وابتلاكم، لينظر كيف تعملون.

{وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} في القوة والعافية، والرزق والخَلْق والخُلُق. {لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ} فتفاوتت أعمالكم. {إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ} لمن عصاه وكذّب بآياته {وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} لمن آمن به وعمل صالحا، وتاب من الموبقات.

آخر تفسير سورة الأنعام، فلله الحمد والثناء وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

[وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين] (?) .

المجلد الثالث من تيسير الرحمن في تفسير القرآن لجامعه الفقير إلى الله: عبد الرحمن بن ناصر السعدي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015