تفسير التستري (صفحة 57)

[سورة المائدة (?) : الآيات 66 الى 67]

وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ (66) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (67)

قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ [66] يعني لو علموا بما أنزل الله على محمد صلّى الله عليه وسلّم، فلو عملت به لبلغت هذه المنزلة كما بلغها من عمل بها، ولو أقبلت على الرازق لكفيت مؤنة الرزق. ثم قال: ولست أكبر من عمرو بن الليث «1» كان يمر وبين يديه ألف راكب وألف غلام، في يد كل غلام عمود من ذهب وفضة، فآل أمره إلى أن حبس في بيت حين حمل إلى الخليفة، ومنع عنه الطعام والشراب، وفتح الباب فوجدوه ميتاً، وفمه مملوء من الجص والآجر من شدة جوعه. ثم قال: إني نصحت لكم، وإني لكم من الناصحين. وقد حكى مالك بن دينار «2» عن حماد بن سلمة «3» وحماد بن يزيد «4» أنهما دخلا على رابعة «5» فذكرا شيئاً من أمر الدنيا فقالت رابعة: لقد أكثرتما ذكر الدنيا، ما أظنكما إلاَّ جياعاً، فإن كنتما جياعاً فاعمدا إلى القدر وذلك الدقيق، فاصنعا لأنفسكما ما وسوس، قال بعض من كان معها: لو كان لنا ثوم. فقال حماد: فرأيت رابعة حركت شفتيها، فما سكتت حتى جاء طير في منقاره رأس ثوم، فرمى به ومضى «6» .

قوله تعالى: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ [67] قيل: ما هذه العصمة؟ فقال: إن الله تعالى وعده أن لا يبتليه كما ابتلى سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إبراهيم بالنار، وإسماعيل بالذبح، وغيرهما، إذ كان لا يشعر بما يفعل به، كما قال: وَما أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ [الأحقاف: 9] فأعلمه الله تعالى أنه يعصمه من الناس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015