وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ، أَيْ تُعْلِنْ بِهِ، فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى، قَالَ الْحَسَنُ: السِّرُّ مَا أَسَرَّ [1] الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِهِ، وَأَخْفَى مِنْ ذلك ما أسر في [2] نفسه. [ولم يعلم به أحد إلا الله] [3] . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: السِّرُّ مَا تُسِرُّ فِي نَفْسِكَ وَأَخْفَى مِنَ السِّرِّ مَا يلقيه عَزَّ وَجَلَّ فِي قَلْبِكَ مِنْ بَعْدُ وَلَا تَعْلَمُ أَنَّكَ سَتُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَكَ لِأَنَّكَ تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ بِهِ الْيَوْمَ وَلَا تَعْلَمُ مَا تُسِرُّ بِهِ غَدًا، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا أَسْرَرْتَ الْيَوْمَ وَمَا تُسِرُّ بِهِ غَدًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ السِّرُّ مَا أَسَرَّ ابْنُ آدَمَ فِي نَفْسِهِ، وَأَخْفَى مَا خَفِيَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فَاعِلُهُ قبل أن يعمله. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: السِّرُّ الْعَمَلُ الَّذِي تَسِرُّونَ [4] مِنَ النَّاسِ، وَأَخْفَى: الْوَسْوَسَةُ.

وَقِيلَ: السِّرُّ هُوَ الْعَزِيمَةُ، وَأَخْفَى: مَا يَخْطُرُ عَلَى الْقَلْبِ وَلَمْ يَعْزِمْ عَلَيْهِ. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى أَيْ يَعْلَمُ أَسْرَارَ الْعِبَادِ، وَأَخْفَى سِرَّهُ عن [5] عِبَادِهِ فَلَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ، ثُمَّ وَحَّدَ نَفْسَهَ، فَقَالَ:

اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى (?) .

وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى (?) ، أَيْ: قَدْ أَتَاكَ اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التقرير.

إِذْ رَأى نَارًا، وَذَلِكَ أَنَّ مُوسَى اسْتَأْذَنَ شُعَيْبًا فِي الرُّجُوعِ مِنْ مَدْيَنَ إِلَى مِصْرَ لِزِيَارَةِ وَالِدَتِهِ وَأُخْتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ فَخَرَجَ بِأَهْلِهِ، وَمَالِهِ، وَكَانَتْ أَيَّامَ الشِّتَاءِ، فأخذ على غير الطريق مخافة من ملوك الشام وامرأته في شهرها [6] لا تدري أليلا تضع أَمْ نَهَارًا، فَسَارَ فِي الْبَرِيَّةِ غَيْرَ عَارِفٍ بِطُرُقِهَا، فَأَلْجَأَهُ الْمَسِيرُ إِلَى جَانِبِ الطُّورِ الْغَرْبِيِّ الْأَيْمَنِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ مُثَلَّجَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ الطَّلْقُ فَقَدَحَ زنده فلم يور.

وَقِيلَ: إِنَّ مُوسَى كَانَ رَجُلًا غيورا وكان يَصْحَبُ الرُّفْقَةَ بِاللَّيْلِ وَيُفَارِقُهُمْ بِالنَّهَارِ لِئَلَّا تُرَى امْرَأَتُهُ فَأَخْطَأَ مَرَّةً الطَّرِيقَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ شَاتِيَةٍ لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ من كرامته [وإظهار رسالته] [7] ، فَجَعَلَ يَقْدَحُ الزَّنْدَ فَلَا يُوَرِي، فَأَبْصَرَ نَارًا مِنْ بَعِيدٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ، فَقالَ لِأَهْلِهِ [لزوجته] [8] امْكُثُوا، أَقِيمُوا، قَرَأَ حَمْزَةُ بِضَمِّ الْهَاءِ هَاهُنَا وَفِي الْقَصَصِ [29] ، إِنِّي آنَسْتُ، أَيْ أَبْصَرْتُ، نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ، [أي شُعْلَةٍ] [9] مِنْ نَارٍ، وَالْقَبَسُ قِطْعَةٌ من نار يأخذها فِي طَرَفِ عَمُودٍ مِنْ مُعْظَمِ النَّارِ، أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً، أَيْ أَجِدُ عِنْدَ النَّارِ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الطَّرِيقِ.

فَلَمَّا أَتاها، رَأَى شَجَرَةً خَضْرَاءَ مِنْ أَسْفَلِهَا إِلَى أَعْلَاهَا أَطَافَتْ بِهَا نار بيضاء تتقد كأضوأ مَا يَكُونُ، فَلَا ضَوْءُ النَّارِ يُغَيِّرُ خُضْرَةَ الشَّجَرَةِ وَلَا خُضْرَةُ الشَّجَرَةِ تُغَيِّرُ ضَوْءَ النَّارِ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: كَانَتِ الشَّجَرَةُ سَمُرَةً خَضْرَاءَ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: كَانَتْ مِنَ الْعَوْسَجِ. وَقَالَ وَهْبٌ: كَانَتْ مِنَ الْعَلِيقِ. وَقِيلَ:

كَانَتْ شجرة العناب، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عنهما، وقال أَهْلُ التَّفْسِيرِ: لَمْ يَكُنِ الَّذِي رَآهُ مُوسَى نَارًا بَلْ كَانَ نُورًا ذُكِرَ بِلَفْظِ النَّارِ لِأَنَّ مُوسَى حَسِبَهُ نَارًا. وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ نُورُ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةَ وَغَيْرِهِمَا. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هِيَ النَّارُ بِعَيْنِهَا وَهِيَ إِحْدَى حُجُبِ اللَّهِ تَعَالَى، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا:

«1415» رُوِّينَا عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «حجابه النار لو كشفها الله لأحرقت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015