تفسير قوله تعالى: (فألقي السحرة ساجدين)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الشعراء: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ * قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ * قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ * إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:46 - 51].

يذكر لنا ربنا سبحانه فضله على من يشاء من عباده سبحانه، فيهدي من يشاء ويضل من يشاء، فالله عز وجل أضل فرعون وقد رأى من الآيات الكثير، وقد جاءه موسى بتسع آيات بينات من عند الله سبحانه وتعالى، فيده فيها آية، والعصا فيها آية، قال تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ} [الأعراف:133]، وأخذهم الله بالسنين ونقص من الأموال والأنفس والثمرات، فكان ذلك من الله عز وجل آيات بينات لم يؤمن بها فرعون وقومه، مع أنه كلما جاءت آية قالوا متوسلين لموسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام: {لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الأعراف:134]، وكل مرة يدعو موسى ربه ويكشف الله عنهم الرجس والعذاب، فيرجعون مرة أخرى إلى كفرهم وتكذبيهم، فالله يضل من يشاء حتى ولو رأوا أمامهم الآيات مفصلات بينات، ويهدي من يشاء ولو بآية واحدة من عنده سبحانه، فهؤلاء السحرة جاءوا مكذبين معترضين على موسى مناصرين لفرعون، ومع ذلك رأوا آية واحدة حين ألقى عصاه، فجعلت تلقف ما ألقوه من حبال وعصي، فخروا لله ساجدين، فهداهم الله جميعاً في ساعة واحدة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015