ذم قول الطارق: (أنا)

ومن الأدب أن الذي بداخل البيت إذا سأل من؟ فعلى الطارق أن يقول: فلان، أو يقول: أنا فلان، لكن لا يقول: أنا فقط، فالذي بداخل البيت لا يعرف من يكون الذي بخارجه، فقد جاء (أن جابراً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من هذا؟ فقال جابر رضي الله عنه: فقلت: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أنا، كأنه كرهها)، إذاً فالأدب أن يقول الإنسان: أنا فلان.

وجاء عن عمر بن الخطاب (أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مشربة له فقال: السلام عليك يا رسول الله! أيدخل عمر؟)، فالاستئذان يجب أن يذكر صاحبه اسمه.

وكذلك في التلفون فبعض الناس أحياناً عندما يتكلم لا يذكر اسمه ظناً أن الذي يتكلم معه يعرفه، فهذا مما لا ينبغي، فعلى الإنسان أن يتواضع، وأما الذي يستكبر فيحس أن كل الناس يعرفونه بمجرد أن يتصل بالتلفون، فالإنسان يجب عليه أن يتواضع ويستشعر في نفسه أن غيره أفضل منه، فمن تواضع للناس يرفعه الله سبحانه وتعالى، قال عليه الصلاة والسلام: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، ومن تواضع لله رفعه الله).

وقد جاء عن الصحابة والتابعين آثار في هذا الأمر: فـ أبو موسى الأشعري جاء إلى عمر بن الخطاب يستأذن وقال: السلام عليكم هذا أبو موسى، السلام عليكم هذا الأشعري ثلاثاً، فيذكر نفسه، فربما ما سمع الأولى فيسمع الثانية أو الثالثة، فذكر اسمه ووصفه رضي الله تبارك وتعالى عنه.

وذكر الخطيب البغدادي في جامعه عن علي بن عاصم الواسطي قال: قدمت البصرة فأتيت منزل شعبة بن الحجاج رضي الله عنه، وهو من أمراء وأئمة المؤمنين في الحديث، قال علي بن عاصم: فدققت عليه الباب، فقال شعبة: من هذا؟ قال: فقلت: أنا، فقال شعبة: يا هذا ما لي صديق يقال له أنا! ما أعرف أحداً اسمه أنا، ثم خرج إلي رضي الله عنه.

وذكر عمر بن شبة حدثنا محمد بن سلام عن أبيه قال: دققت على عمرو بن عبيد الباب فقال لي: من هذا؟ فقلت: أنا، فقال: لا يعلم الغيب إلا الله.

وجاء عن كثير من السلف كراهة أن يصف الطارق نفسه ويقول: أنا، ولكن يقول: أنا فلان، أو يقول: فلان.

وجاء في سنن أبي داود: (أن صفوان بن أمية أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلبن وجدايا وضغابيث، والنبي صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة -أي: أرسل إليه بلبن ولحم ضباء غزلان وضغابيث وهي قثاء- فدخل الذي أتى بالهدية ولم يسلم -فلم تشفع له الهدية التي أتى بها- فقال له صلى الله عليه وسلم: ارجع فقل: السلام عليك).

وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من بدأكم بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه).

وجاء عن أبي هريرة قال: إذا قال الرجل: أأدخل؟ ولم يسلم، فقل: لا، حتى تأتي بالمفتاح وهو: السلام عليكم.

فالذي يريد أن يدخل يأتي بمفتاح الدخول وهو: الاستئذان مع التسليم.

وجاء عن حذيفة أنه جاءه رجل فنظر إلى ما في البيت -بسبب أن الباب كان مفتوحاً- فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فقال حذيفة رضي الله عنه: أما بعينك فقد دخلت، وأما استك فلم تدخل، أي: ما دخلت وقعدت بمقعدتك ولكن بعينك قد دخلت.

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين من حديث سهل بن سعد: أنه اطلع رجل من جحر في حجرة للنبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدراة يحك بها رأسه - أي: كان معه عود يحك بها رأسه صلى الله عليه وسلم، والرجل ينظر من خرم في الجدر على النبي صلى الله عليه وسلم- فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر).

يقول الإمام القرطبي هذه الأحكام كلها إنما هي في بيت ليس لك، فأما بيتك الذي تسكنه الذي فيه أهلك فلا إذن عليك، إلا أنك تسلم إذا دخلت، وعند الدخول على المرأة يفضل أن يستأنس؛ لعله يرى منها ما يكره، كأن تكون المرأة في غير حالة الاستعداد لأن يراها الزوج، فلعلها تتأذى بهذا الشيء، فقد كان ابن مسعود يقول: السلام عليكم حتى يشعروا أنه موجود، فتقوم زوجته تتهيأ لاستقبال زوجها، وخاصة إذا كان قادماً من سفر.

يقول قتادة: إذا دخلت بيتك فسلم على أهلك؛ فهم أحق من سلمت عليهم، فإن كانت التي تدخل عليها أمك أو أختك قالوا: تنحنح واضرب برجلك؛ حتى تنتبه لدخولك.

قال قتادة: لأن الأهل لا حشمة بينك وبينها -ويقصد بالأهل: الزوجة- قال: أما الأم والأخت فقد يكونا على حالة لا تحب أن تراهما فيها.

ولذلك قال مالك رحمه الله: ويستأذن الرجل على أمه وأخته إذا أراد أن يدخل عليهما.

روى عطاء بن يسار (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ قال: نعم.

قال: إني أخدمها -يعني: أستأذن وأنا أخدمها؟ - فقال: استأذن عليها.

فعاوده ثلاثاً، فقال: أتحب أن تراها عريانة؟ فقال: لا.

قال: فاستأذن عليها)، الحديث رواه مالك في موطئه بإسناد رجاله ثقات، ولكنه مرسل عن عطاء، وعطاء بن يسار من كبار التابعين.

وإذا دخل بيتاً وليس فيه أحد فيستحب أن يسلم على نفسه؛ لعموم قوله سبحانه وتعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61]، فاستحب أهل العلم أن يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فقال قتادة: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنه يؤمر بذلك، وهذا صح عن ابن عمر رضي الله عنه، ورواه البخاري في الأدب المفرد، ورواه ابن أبي شيبة بسند حسن عن ابن عمر رضي الله عنه بهذا المعنى: إذا دخلت بيتاً ليس فيه أحد فقل ذلك، وليس على سبيل الوجوب، ولكن استحباباً، وذُكر أن الملائكة ترد عليهم.

قال الله عز وجل: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:27] يعني: هذا التسليم والاستئناس أخير وأفضل لكم {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:27]، والذكرى ضد النسيان، وتتذكر أي: تتعظ، وفيها قراءتان {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النور:27]، وهي قراءة حفص عن عاصم، وحمزة، والكسائي، وخلف، و (لعلكم تذَّّكَّرون) بالإدغام وهذه قراءة باقي القراء، والمعنى أنك تتذكر بهذه الموعظة فلا تنساها، فتعمل بها فتؤجر عليها.

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015