سبب نزول قوله تعالى: (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه)

إن سبب نزول هذه الآية أن أبا ذر الغفاري رضي الله عنه دعاه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام بمكة، فأجاب، وذهب إلى قومه فدعاهم رضي الله تبارك وتعالى عنهم فاستجابوا ودخلوا مع أبي ذر رضي الله عنه، ولما بلغ ذلك الكفار قالوا: غفار الحلفاء دخلوا في الدين؟! هؤلاء قطاع الطريق واللصوص يدخلون في الدين ونحن لم ندخل فيه، فلو كان خيراً لما دخل فيه هؤلاء، فتركوا النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الزعم.

وهذه امرأة اسمها زنيرة مولاة لـ أبي بكر رضي الله عنه، كانت فقيرة ومسكينة، وكان أبو بكر رضي الله عنه يدعوها إلى الإسلام، فدخلت في دين الله عز وجل فعذبها أهلها، فاشتراها أبو بكر رضي الله عنه، وهذه واحدة ممن اشتراهم أبو بكر رضي الله عنه وأعتقهم لله عز وجل، فلما أسلمت هذه المرأة اشتراها أبو بكر وأعتقها، وعندما أسلمت عميت، ففرح الكفار وهللوا، وقالوا: أصابتها اللاة والعزى، فإذا بها تدعو ربها فيشفيها الله عز وجل، فبهت الكفار، فكان قولهم أن قالوا: ((لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ))، وأثبت الله عز وجل عليهم ذلك، قالوا: لو كان ما جاء به محمد خيراً ما سبقتنا إليه زنيرة هذه.

وكذلك هناك فريق آخر من الكفار وهم من بني عامر وغطفان وتميم وأسد وحنظلة وأشجع -وهؤلاء كانوا الكبراء من القبائل العالية من المشركين- وجدوا أقواماً كانوا يعتبرونهم سفلة من غفار وأسلم وجهينة ومزينة وخزاعة، فقالوا: إن هؤلاء الذين كانوا قطاع طريق، وكانوا لصوصاً أسلموا ونحن لم ندخل في هذا الدين، ((لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ))، فكأنهم يقيسون شرف هذا الدين وعظمته على هؤلاء الذين اتبعوه، فإذا كان الذين اتبعوه أشرافاً كان هذا الدين شريفاً، وإذا كانوا وضعاء كان هذا الدين لا يستحق أن ندخل فيه.

فقالوا: ((لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ))، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا فقال: (أسلم سالمها الله، وغفار غفر الله لها)، فدعا لهم النبي صلوات الله وسلامه عليه، وكانوا في الجاهلية أشراراً ولكن لما جاء الإسلام صاروا أخياراً رضوان الله تبارك وتعالى عليهم، فدعا لهم النبي صلوات الله وسلامه عليه.

والبعض الآخر من المشركين وجدوا أن بلالاً وصهيباً وعماراً وغيرهم قد دخلوا في دين الله عز وجل، فقالوا: أهؤلاء الفقراء يدخلون في الدين ونحن لا ندخل؟! إذاً فهذا الدين ليس فيه خير، فقالوا: ((لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ))، فهذه المعارضة من الكفار نقلبها نحن المسلمين على هؤلاء ونقول: كل خير قد سبق إليه الصحابة، فلنتبع كل ما فعلوه اقتداءً به صلوات الله وسلامه عليه، ويقال أيضاً: لو كان ما أنتم عليه خيراً أيها المشركون ما تركنا هذا الذي أنتم عليه وذهبنا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن ما أنتم عليه فيه الشر كله، فلذلك لا نأتيه أبداً، إن الشرك لظلم عظيم.

قال سبحانه: ((وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ))، وإذ لم يهتد بالدين هؤلاء الكفار فإنهم يرمون عليه كل الافتراءات ويقولون: هذا إفك قديم، وأساطير الأولين، وقصص قديمة كنا نسمعها من قبل، وهذه قصص أتى بها محمد صلوات الله وسلامه عليه، ((وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ)) وأضلهم الله عز وجل، خرج منهم هذا الكلام الخائب الذي لا يعقل: ((وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ)).

قال الله عز وجل: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا} [يونس:39] أي: كذبوا بما جاءهم من عند الله عز وجل، وكما جاء في المثل: من جهل شيئاً عاداه، فالذي يجهل الشيء هو أول من يعاديه، فإذا علمه عرف أنه الحق، فالقرآن يقول: ((وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ)) أي: لما جهلوا هذا الدين إذا بهم يعادونه، كذلك قال سبحانه: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس:39]، فهذا القرآن العظيم هو كتاب رب العالمين وإن جحده هؤلاء المشركون، فقد آمن بعد ذلك البعض منهم، وأولادهم، ونظروا إلى أنفسهم وإلى آبائهم أنهم كانوا في ضلال مبين، وأنهم كانوا يكذبون على النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال الله عز وجل: ((فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ))، بل هم الأفاكون الكذابون، نسأل الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015