حالات البينونة من الطلاق

قوله: {فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب:49]، والعدة هي: الحيضات المعدودة، فهذه المرأة الغير مدخول بها، ليس عليها أن تعتد إذا طلقها زوجها، وهذه التطليقة تعتبر تطليقة دائمة ويسمونها: بينونة صغرى.

والبينونة بمعنى: المفارقة والبعد، بان الشيء بمعنى: بعد، فإما أن تكون المرأة بائنة بينونة صغرى، أي: لهذا الذي طلقها أن يتزوجها مرة ثانية، بعقد جديد وشهود وولي، وإما أن تكون المرأة بائنة بينونة كبرى، أي: ليس له مراجعتها، فالبينونة الكبرى تكون إذا طلق الرجل المرأة التطليقة الثالثة أو حدثت المفارقة بالملاعنة، كأن يتهم الرجل امرأته بالزنا وحدث بينهما ملاعنة وشهد عليها أربع شهادات أنها وقعت في هذه الجريمة، {وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] وهي ردت وشهدت أربع مرات عليه بالكذب في ذلك وأنها صادقة فيما تقول، {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:9]، وإذا تم اللعان عند القاضي فيفرق بين الاثنين فرقة كبرى لا مراجعة فيها، حتى ولو تزوجت بغيره، وهذه بينونة كبرى.

والتطليقات الثلاث تعتبر بينونة كبرى، ولكن إذا تزوجت غيره ثم طلقها الآخر، فللأول أن يتزوجها بعد ذلك، ولا يجوز للمرأة أن تذهب لإنسان يحلها للزوج الأول، فقد لعنه النبي صلى الله عليه وسلم وسماه التيس المستعار، فقد ورد: (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المحلِّل، والمحلَّل له) وإذا اتفقوا وتواطئوا على ذلك، كما لو اتفقوا مع إنسان محلل يتزوجها يوماً وبعد ذلك يفارقها ثم ترجع لزوجها الأول، فهذا ملعون وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم التيس المستعار، وقال: (لعن الله المحلل، والمحلل له) أي: الزوج الجديد والزوج الذي يريد أن يرجع المرأة على هذه الصورة.

والفرق بين البينونة الصغرى والكبرى أن البينونة الكبرى ليس له أن يراجعها، والصغرى له أن يراجعها كما لو ذهب إلى وليها وكان خاطباً من الخطاب، ثم وافقوا عليه، فله أنه يعيد العقد من جديد ويتزوجها من جديد، وهذا في البينونة الصغرى، وهذا فيما إذا طلق المرأة قبل الدخول.

وتكون أيضاً في حالة أخرى، وهي ما إذا طلق المرأة طلاقاً رجعياً وانقضت الثلاث الحيضات فإنها تبين منه بينونة صغرى، فله أن يتزوجها إن أراد بعد ذلك، لكن يذهب إلى وليها ويخطبها ويتزوجها بعقد جديد.

وكذلك إذا خالع الرجل المرأة بلفظ الطلاق فإنها تبين منه بينونة صغرى، وإذا خالعها بغير لفظ الطلاق تبين منه بمجرد أخذه المال، وقوله: خلعتك، فتبين المرأة بذلك، فالمرأة التي تذهب إلى القاضي وتخلع زوجها والقاضي يأمر بالمال، فتدفع المرأة مالاً لهذا الزوج، ويفرق القاضي بينهما، تصير بائناً منه وليس له أن يراجعها، إلا إن رضيت به بعقد ومهر جديدين.

فعلى ذلك هذه صورة من الصور التي لا يستطيع الإنسان رد المرأة.

ففي البينونة الصغرى له أنه يتزوجها بعقد جديد ومهر جديد، لكن إذا طلقها بعدما دخل بها، فخلال فترة الحيضات له أن يراجعها.

{فَمَتِّعُوهُنَّ} [الأحزاب:49]، يعني: ادفعوا لهن المتعة.

ففي هذه الآية ذكر الله عز وجل المتعة واختلف العلماء هل المتعة لكل مطلقة، وقد قال الله سبحانه: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:241]، لعموم المطلقات، وهذا صحيح، وأنه لعموم المطلقات متاع بالمعروف.

ولكن هذا المتاع بالمعروف يكون فرضاً في حالة معينة ونافلة في باقي الأحوال، والحالة الوحيدة الذي تكون المتعة فرضاً للمرأة، هي عندما يطلقها الزوج قبل الدخول ولم يكن قد سمى لها مهراً، كأن يتزوج إنسان امرأة ولم يتفقوا على مهر، فالمهر قد أمر الله عز وجل به في كتابه، فليس من حق إنسان أن يلغي المهر الذي أمر الله عز وجل به، في قوله: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء:4]، فإذا تزوج ولم يتفقوا على مهر، وطلقها قبل أن يدخل بها، فلها المتعة بالمعروف.

فإذا كان قد سمى لها مهراً وطلق قبل الدخول فلها نصف المهر المسمى، وتستحب المتعة لعموم قوله سبحانه: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:241]، لكن لا تجب إلا في صورة واحدة كما ذكرنا.

قال سبحانه: {وَسَرِّحُوهُنَّ} [الأحزاب:49] يعني: طلقوهن.

{سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:49]، أي: طلاقاً جميلاً.

وهو الطلاق الذي يكون على السنة، وأن يطلق بالمعروف فلا يؤذي ولا يغاضب ولا يعضل المرأة حتى تفتدي نفسها، وأن يطلق المرأة وهي في طهرها وليست حائضاً، وإذا كانت في طهر فلا يكون قد جامعها فيه، ولكن يطلقها في طهر لم يمسها فيه، أو يطلقها وهي حامل؛ فهذا هو الطلاق الذي ذكر الله عز وجل، {وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب:49].

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015