تفسير قوله تعالى: (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل)

قال سبحانه لعباده: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ} [الروم:42]، انظروا وتأملوا وادرسوا وتعلموا، انظروا كيف فعلنا بالسابقين، والناس الآن يقولون لك: هذا عالم في الجيولوجيا، وهذا عالم في الأرض، في الحفريات، يحفر في الأرض ويقول: هنا كان يوجد أمم في المكان الفلاني، وكان في المنطقة الفلانية حضارات، وكان كذا وكذا، فعرفوا هذه الأشياء، لكن هل اعتبروا بذلك؟! الله عز وجل يقول: (فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل)، فبدلاً من أن تفتخر وتقول: كان أجدادنا يبنون ويعملون كذا، انظر إلى عاقبتهم، انظر إلى عقوبتهم، فلا تمش في نفس المسار الذي ساروا فيه، يفتخر الإنسان الأحمق الغبي فيقول: أجدادنا كانوا فراعنة، وينسى أن الفراعنة كانوا كفاراً يعبدون غير الله، يؤلهون أنفسهم، وعصوا المرسلين، وأراد فرعون قتل رسل الله عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، فإذا بالله عز وجل يخزيهم، فهذا فرعون أهلكه الله، وجعله آية، قال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:92]، فالله يرينا الآيات، فالفراعنة أخرجوهم من الأرض، ووضعوهم في المتاحف، والذهب الذي سرقوه من الناس، واحتفظ به الملوك لأنفسهم؛ ظهر هذا الذهب كله، وهل نفعهم هذا الشيء؟ جعلوه معهم في القبور وداخل الأهرام، من أجل أن يلاقوا الذهب حقهم مرة ثانية، فهل انتفعوا بذلك؟ انظروا وتأملوا واعتبروا، فلا تقولوا: نحن أحفاد الفراعنة الذين بنو الأهرام، وعملوا كذا! فهم كفروا بالله سبحانه، فلا تنتسب إلى الكفار، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (انتسب رجلان على عهد موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان بن فلان بن فلان، فمن أنت لا أبا لك؟! فقال الآخر المؤمن: أنا فلان بن فلان بن الإسلام)، يكفيني فخراً أني مسلم مع النبي موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فأوحى الله للنبي موسى عليه الصلاة والسلام: (أن قل لهذا: أنت افتخرت بتسعة آباء كفار أنت عاشرهم في النار، وأنت افتخرت بالإسلام فأنت في الجنة)، فهذا الضعيف الذي قال: أنا أفتخر بدين الإسلام دخل الجنة.

نسى الناس الآن دين رب العالمين، وصرنا نسمع كثيراً التقاليد الفرعونية، الغناء الفرعوني، التمثيل الفرعوني، فراعنة في فراعنة! نسوا أن الفراعنة كفار، وكأنهم يقولون عن أنفسهم: إنهم متبعون للكفار! أين العقول؟! الله سبحانه تبارك وتعالى يقول: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا} [الروم:42] تأملوا وتدبروا كيف صنعنا بهم، هل نفعهم مالهم؟ هل نفعتهم قوتهم؟ بنوا أهراماً يتعجب الناس كيف بنوها؟ وكيف رفعوا الحجارة؟ قال الله: {كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ} [التوبة:69]، استمتعوا بحظهم في الدنيا، وأنتم استمتعتم بحظكم في الدنيا، عصوا الله وكفروا، وأنتم عصيتم الله سبحانه تبارك وتعالى، فما تنتظرون غير العقوبة التي أصابت هؤلاء السابقين؟! فالإنسان المؤمن لا بد أن يتعلم، ولا بد أن يعتبر، ولا بد أن ينصح أولاده، لا تترك أولادك جهلة تعلمهم الصحف، ويلقنهم التلفزيون أشياء باطلة، ويتعلمون الكفر بالله سبحانه، يعلق تميمة من أجل رد العين، يلبس حذاء من أجل اللعب الفلاني، يعمل تسريحة فلانية نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، يمشي في طريق الباطل ويقلد الشياطين ويفتخر بذلك، ويقول لك: نحن الشياطين الحمر! افتخروا بالكفار، وافتخروا بالشياطين، كيف سيكون مصير أصحاب هذا الافتخار؟ ألا يخشون أن يكونوا من أصحاب النار والعياذ بالله؟! والذين يفعلون ذلك يتسمون بأسماء المسلمين، يقول لك: أنا مسلم، وإذا سمع من يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: اتركوا هذه الكتب الصفراء! ويأتي الصحفي من هؤلاء فيفتي ويتكلم في الدين، وما أحد يرد عليه بشيء، وهو لا يفهم من دين الله عز وجل شيئاً، وبعضهم يسأل الصحيفة: أنا أحلق على الموضة فما رأيك في هذا الشيء؟ لا يسأل الشيخ، وإنما يسأل الصحيفة، وترد عليه فتقول: ما فيها شيء، وأنتم أعلم بشئون دنياكم، وإذا نهى عن ذلك عالم يقولون له: أنت إنسان متزمت، أنت إنسان متعصب، أنت إنسان كذا! فعندما غير الناس ما بأنفسهم أذاقهم الله عز وجل الذل، انظروا إلى الذل الذي في بلاد المسلمين، كل البلاد في ذل، لا يتواضعون لله، ويتواضعون لغير الله سبحانه، جعلوا الدين وراء ظهورهم، لا يعلمون أولادهم دين الله سبحانه، والأسر المسلمة في بلاد الكفر يهتمون بلغة الكفار، وهم أسر مسلمة كثيرة، ويصرون أن يتكلموا بالإنجليزي مع بعض، وهم مسلمون عرب، حتى داخل بيته يتكلم بالإنجليزي، ويفتخر أن كل أهل البيت يتكلمون بالإنجليزي وليس بالعربي! فهؤلاء كيف يتعلمون دين الله عز وجل؟ ومتى يتعلمون كتاب ربهم وسنة نبيهم صلوات الله وسلامه عليه؟ {نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ} [الحشر:19]، فإذا نسي الإنسان ربه سبحانه فلا ينتظر إلا الوبال، ولا ينتظر من الله إلا العقوبة التي نراها الآن في أبناء المسلمين وفي أسر المسلمين، ومن ذلك تسلط الكفار على المسلمين لما نسى المسلمون دين ربهم، فإذا أرادوا أن يرجعوا إلى العز الذي في الإسلام فليرجعوا إلى دين رب العالمين، فلينصروا الله لينصرهم {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7].

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015