تفسير قوله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة القصص: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ * قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ * وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ * وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ * فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمْ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ * فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ * وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص:62 - 68].

يخبرنا ربنا تبارك وتعالى في هذه الآيات عن يوم القيامة وسؤال الله عز وجل خلقه عما عملوا في هذه الدنيا، فيسأل المؤمنين فيحاسبهم حساباً يسيراً، ويسأل الكافرين المشركين ويحاسبهم حساباً عسيراً، فيسأل الله عز وجل المشركين ويناجيهم: {فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62].

كانوا في الدنيا يعبدون مع الله آلهة أخرى ويقولون: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3] فإذا جاءوا يوم القيامة فسئلوا وسئلت الآلهة وتبرأ بعضهم من بعض فهنا يسألهم الله عز وجل قائلاً: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [القصص:62] أي: الذين كنتم تفترون وتقولون بأفواهكم الكذب على الله سبحانه، فأين زعمكم وكلامكم عن هذه الآلهة؟ فيتكلم هؤلاء الكفار يوم القيامة فيتبرأ بعضهم من بعض، قال تعالى: {قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ} [القصص:63] أي: حقت عليهم كلمة العذاب، وحق عليهم قول ربنا أنهم في النار، وهم رؤساء المشركين، فقالوا: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} [القصص:63] فعرفوا ربهم في يوم القيامة فقالوا له: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} [القصص:63] وأصلها: هؤلاء الذين أغويناهم، فيشيرون إلى أتباعهم الضعفاء، فكبار المشركين يتكلمون عن صغارهم فيقولون: ربنا هؤلاء الذين أضللناهم وأبعدناهم عن طريق الهدى، أغويناهم كما غوينا نحن وضللنا عن الطريق.

وفي الدنيا الإنسان المؤمن يتذكر ذلك، ويعلم أنه مستحيل أن يكون الإنسان غاوياً ثم يهدي إنساناً آخر، فالضال لا يهدي إنساناً أبداً، كذلك الكافر لا يدل المؤمن على الخير أبداً، ولا يثق المؤمن في الكافر، وربنا يخبر باعترافات هؤلاء الكفار يوم القيامة.

فالكافر لا يتمنى خيراً لغيره، والضال العاصي لا يحب لغيره هداية؛ لأنه لا يريد أن يكون أحد أفضل منه، فلذلك يدعو صاحبه إلى الضلال، والكافر يدعو الإنسان إلى كفره، {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:120] فأهل الكفر والشرك لن يرضوا أبداً عن أهل الإيمان حتى يضلوهم ويجعلوهم يزيغون عن طريق الله سبحانه، فقالوا يوم القيامة معترفين: {هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا} [القصص:63]، أي: أضللنا {أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا} [القصص:63] أي: طلبنا لهم الغواية، والبعد عن الرشد، وطلبنا لهم الضلال وأخذناهم معنا في طريق الضلال، والآن يا ربنا تبنا وتبرأنا إليك فإنهم ما كانوا يعبدوننا، قال تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} [البقرة:166] فيوم القيامة كبار الكفار وصغارهم يتبرأ بعضهم من بعض.

وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا أنتم أضللتمونا عن سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، ألم تغوونا وتبعدونا عن طريق ربنا؟! فالصغار يرمون بالتهمة على الكبار، والكبار تبرءوا وقالوا: نحن أضللناكم، لكن أما كان لكم عقول تفكرون؟ فانظر إلى حديث الكفار يوم القيامة واعتبر من الآن في الدنيا بما يفعله الناس بعضهم مع بعض يوم القيامة مهما كانت بينهم روابط في الدنيا وأسباب، فإنه يتبرأ بعضهم من بعض.

يقول الله عز وجل: {تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ} [القصص:63] يعني: مما كان يفعل هؤلاء معنا، ما كانوا إيانا يعبدون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015