في اتقانها على والده قبل أي شيخ آخر، ولعله من أجل ذلك لم يتبحر في علم بعينه، ولم يكتب له البروز في اتجاه علميّ محدّد.

ذلك مبلغ ما نعرفه عن ثقافته؛ فأما ما يتعلق بأبرز صفاته فلم يميز منها مترجموه إلا أنه كان مبسوط الكفّ سخاء، فقال ابن الأحمر: «وقدمه في الكرماء أرسخ من أبي قبيس، وفضله ينسي فضل الأمير دبيس» (?) . وقال في موضع آخر: «وكفه بإرسال المواهب لم تكن جانحة إلى التقصير، ولا قيل لطول جودها: جدعت أنف الفضائل عن بخل يا قصير» (?) ؛ وأيد هذا تلميذه ابن السراج بقوله: «كثير الصدقة والإيثار، لم يكن في زمانه من يضاهيه فيها، فذا في طريقته» .

وقد عاش علي حتى ناهز الثمانين، إذ كانت وفاته يوم الأحد الخامس من ذي القعدة سنة 789، ودفن من غده يوم الاثنين بمدينة فاس (?) .

2- كتاب تخريج الدلالات السمعية:

لم تكن الأعمال الديوانية ومشاغلها الكثيرة المتلاحقة تمنح علي بن محمد الخزاعي سعة من الوقت كي يتوفر على التأليف؛ ويبدو أنه أعفي من تلك الأعباء وهو في سن السادسة والستين أو قريبا من ذلك (أي حوالي 776) إذ لا نسمع بعد وفاة السعيد أبي زيان أنه شغل أي منصب في الدولة. وهو يصرح في مقدمة «تخريج الدلالات» أنه كان يلتقط الفوائد ويقتنص الشوارد التي سيبني منها كتابه أيام عزلته عن العمل، وأنه استمرّ يجمع ويرتب ويبوب حتى انتهى من ذلك سنة 786، وإذا به ينهي عملا طويلا شاقا يسميه «تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية» . وفي ربيع الأول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015