فخلفت خلقًا لأعرف به» ولا يتم ذلك للخلق بدون الاطلاع على المقدمات النظرية, والخلق متفاوتون في مقتضى أفكارهم, فمست الحاجة إلى إعلام بعضهم بما في ضمير بعض, لتكمل المعارف بتشارك الأفكار, وأيضًا للإنسان قوة حسية ترتسم فيها صور الأشياء الخارجية وتتأدى عنها إلى النفس فترتسم ارتسامًا ثانيًا في النفس, وقد ترتسم في النفس لا من جهة الحس, فللأشياء وجود في الخارج ووجود في النفس, وكما أن الحاجة ماسة إلى التحصيل في العقل لما ليس بحاصل فيه, مست إلى إبراز ما حصل في النفس لمن لم يحصل عنده, إذ الإنسان لا يستقل بأمر نفسه في تحصيل معارفه وتسهيل معايشه, بل يحتاج إلى معاون, ولا يتيسر ذلك له إلا بإبراز ما في ضميره, ولما لم يكن ما يتوصل به إلى ذلك أخف من أن يكون فعلًا, ولم يكن أخف من أن يكون صوتًا لعدم ثباته وازدحامه, ولأنه كيفية للنفس الضروري فخفت المؤونة وعمت الفائدة, لتناوله الموجود والمعدوم والمحسوس والمعقول, ولأنه مقدر بقدر الحاجة وينقضي عند انقضائها, إذ لو بقي بعد الحاجة ربما اطلع عليه من لا يريد اطلاعه عليه, قاده الإلهام الإلهي إلى استعمال الصوت وتقطيع الحروف بالآلة المعدة له, ليدل غيره على ما عنده من المدركات بحسب تركيباتها على وجوه شتى موضوعة لها, فالعبارة دالة على الصور الذهنية وهي على الأمور الخارجية, لكن الأولى لما كانت وضعية اختلف الدال بحسب الواضعين دون المدلول, [ولما كانت الثانية طبيعية, لم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015