تحفه الاحوذي (صفحة 3834)

أَيْ طَلَبَ مِنْهُمِ الْعَمَلَ (فَقَالَ) أَيْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِفْهَامِ (مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ) وَهُوَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى زَوَالِهَا فَالْمُرَادُ بِالنَّهَارِ الْعُرْفِيُّ لِأَنَّهُ عَرَفَ عَمَلَ الْعُمَّالِ (عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ) أَيْ نِصْفِ دَانِقٍ عَلَى مَا فِي الصِّحَاحِ وَقِيلَ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِهِ فِي أَكْثَرِ الْبِلَادِ وَالْيَاءُ فِيهِ بَدَلٌ مِنَ الرَّاءِ كَمَا أَنَّهَا بَدَلٌ مِنَ النُّونِ فِي الدِّينَارِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ جَمْعُهُمَا عَلَى دَنَانِيرَ وَقَرَارِيطَ وَكَرَّرَ قِيرَاطٍ الدلالة عَلَى أَنَّ الْأَجْرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قِيرَاطٌ لَا أَنَّ مَجْمُوعَ الطَّائِفَةِ قِيرَاطٌ (ثُمَّ قَالَ) أَيِ الرَّجُلُ الْمُسْتَعْمِلُ لِلْعُمَّالِ (فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَأَقَلُّ عَطَاءً) أَيْ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ثَوَابًا كَثِيرًا مَعَ قِلَّةِ أَعْمَالِهِمْ

وَأَعْطَيْتنَا ثَوَابًا قَلِيلًا مَعَ كَثْرَةِ أَعْمَالِنَا وَلَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ يوم القيامة وقد حكي عن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحَقُّقِ ذَلِكَ أَوْ صَدَرَ عَنْهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ لَمَّا اطَّلَعُوا عَلَى فَضَائِلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي كُتُبِهِمْ أَوْ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِمْ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ لِلْأَعْمَالِ لَيْسَ عَلَى قَدْرِ التَّعَبِ وَلَا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى مَوْلَاهُ لِخِدْمَتِهِ أُجْرَةً بَلِ الْمَوْلَى يُعْطِيه مِنْ فَضْلِهِ وَلَهُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنَ الْعَبِيدِ عَلَى وَجْهِ الْمَزِيدِ

فَإِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ

قَالَ الطِّيبِيُّ لَعَلَّ هَذَا تَخْيِيلٌ وَتَصْوِيرٌ لَا أَنَّ ثَمَّةَ مُقَاوَلَةً وَمُكَالَمَةً حَقِيقِيَّةً اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى حُصُولِهَا عِنْدَ إِخْرَاجِ الذَّرِّ فَيَكُونُ حَقِيقَةً انْتَهَى كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ (فَقَالَ هَلْ ظَلَمْتُكُمْ) أَيْ هَلْ نَقَصْتُكُمْ (شَيْئًا) مَفْعُولٌ بِهِ أَوْ مُطْلَقٌ (قَالُوا) أَيْ أَهْلُ الْكِتَابِ (فَإِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنَ (فَضْلِي) أَيْ عَطَائِي الزَّائِدُ (أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ) أَوِ التَّقْدِيرُ فَإِنَّ الْعَطَاءَ الْكَثِيرَ الْمَدْلُولَ عَلَيْهِ بِالسِّيَاقِ فَضْلِي

وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إن أوله الْعَصْرِ بِصَيْرُورَةِ ظِلِّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ

وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ تَأْخِيرِ صَلَاةِ الْعَصْرِ جَوَابُهُمْ وُجُوهٍ مُفَصَّلًا

قَوْلُهُ (هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ) وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015