القليلين عن أمثالهم، وما عاد إلى مثل ذلك، جاز عليه ما يجوز أن يقع من غير معْصوم، كالخطأ والوَهْم، بل والكذب.

لذا كان العمَل على تمييز الصَّحيح من السَّقيم فرْضاً على الأمّة، أن توجد من بينها من يُحقِّق لها الكفاية فيه، حيثُ لا سَبيل إلى معرفة بيان الرَّسول صلى الله عليه وسلم إلا بذلك.

ولا شكَّ أنّ السُّنَّة أساسٌ يقوم عليه نظر الفَقيه ويبْني عليه اجتهاده، كالقرآن العظيم، فإن لم بتيَّن له ما يصحُّ أنّه سنَّة مما لا يصحُّ، فعلى أي أساس سيقيم بنيانه؟

من أجل ذلك أدرك الأولون أنَّ تمييز الصحيح من السقيم ضرورة للفقيه، ومقدمة لابد منها، فحرروا وحققوا، واجتهدوا في نخل المنقول، ولم يزل يناظر بعضهم بعضاً ويرد بعضهم على بعض في شأن صحة نقل الدليل، ولم ينظروا إلى هذه المقدمة إلا كجزء من المقدمات الضرورية للاستدلال.

قال الإمام علي بن المديني: التَّفقه في معاني الحديث نصف العلم، ومعرفة الحديث نصف العلم "، أراد بمعرفة الحديث: تمييز صحيحه من سقيمه.

وعد معرفة ما يثبت من الحديث ممّا لا يثبت شرطاً في المجتهد والمفتي، ممّا لا ينبغي أن يُرتاب فيه، فإنّه إن لم يفهم ذلك صار ولا بدّ إلى أن يبني ويفرع على ما لا يثبت به دين من الرّوايات.

قال الإمام عبد الرحمن بن مهدي: " لا يجوز أن يكون الرجل إماماً، حتىّ يعلم ما يصح ممّا لا يصح، وحتى لا يحتج بكل شيء، وحتى يعْلم مخارج العلم ".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015