وليس ينتهي عجبنا من الخلط في التمثيل والمقابلة. بين سيرة ابن الأشعث

وسيرة امرئ القيس، فابن الأشعث ليس بشاعر، ولا ابن ملك، ولا قُتل أبوه فخرج يطلب الثأر كامرئ القيس؛ وابن الأشعث لم يكن في سيرته صُعلوكاً، ولا متعهراً، ولا متفحشاً كصاحبه، فإذا قابله القصاص برجل فلن يكون هذا الرجل امرأ القيس في تبطله وانقطاعه لصعاليك العرب وذؤبانها وفي الخمر والنساء والفحش ونحوها.

وابن الأشعث إن كان قد طلب الملك، فما طلب امرؤ القيس إلا ثأر

أبيه، ولهذا قال حَمَّلني دمه ولم يقل حَمَّلني مُلكه.

وابن الأشعث لم يلجأ إلى ملك الترك مستعيناً، بل منهزماً، لأنه كان

صالحه على أن يكف عّنه ثم يفرغ للحجاج، فإن ظهر أعفى ملكَ الترك من

الخراج ما بقي، وإن انهزم فأراده وجب على الملك أن يلجئه عنده، وقد وفى

الملك بذمته وعهده.

وابن الأشعث لم يكد له رسل الحجاج عند ملك الترك، وإنما هددوه ليُسلمه

فأسلمه صاغراً، واشترط على الحجاج شروطاً قبلها منه، وفي بعض الروايات أن ابن الأشعث مات بالسل وجاء الملك فاحتز رأسه وأرسله إلى الحجاج.

وابن الأشعث لم يتنقل في مدن فارس والعراق مستنصراً مستجيشاً كما

فعل امرؤ القيس في قبائل العرب، بل كان محارباً يرحل بالجيش وينزل

بالجيش، وامرؤ القيس كان سبب هلاكه أنه فتن بنت قيصر بجماله وغزله أو

على الأصح بمنظره العصبي، أما عبد الرحمن فكان سبب هلاكه أحد اثنين: إما السل، وإما رغبة ملك الترك أن يتخذ له يداً عند الحجاج.

وإذا صحت رواية الموت بالسل - وبرهانها قوي - فلم يمت الرجل في طريقه إلى بلاده ولم يقتل نفسه، وإذا صح أنه مات في طريقه فقد قالوا إنه وثب من فوق قصر، وأين هذا من ميتة امرئ القيس في حلة مسمومة نثرت لحمه نثراً؟ وإذا أراد قصاص بني الأشعث أن يكذبوا فيزيدوا قصة امرئ القيس في

مفاخرة كندة، فليس من الفخر أنهم جعلوه شاعراً طرده أبوه، ثم يوصف

بالتصعلك والعهر والفحش، ثم يجعلونه عاجزاً ضائعاً في القبائل لا يأخذ بثأر

أبيه، ثم يلجئونه إلى قيصر فيكون هناك فاحشاً ويُقتل بفحشه وليس في السب عندهم أشنع من هذا ونحوه، وهو كما ترى أعجز العجز، لا يوافق أهواء شعب عربي ولا عاداته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015