والحمد يختص بالقول؛ فإن نظرنا إليهما بالنسبة إلى القول خاصة كان الحمد أخص من الشكر، وإن نظرنا إليهما بالنسبة إلى الإحسان الصادر من المحمود كان الحمد أعم من الشكر (?)؛ فلهذا جمع المصنف -رَحِمَهُ اللهُ- بينهما إشعارًا بأن الحمد والشكر له واجبان مترادفان في حقِّ الله تعالى، ودلَّ على ذلك بقوله أولًا: (حمدًا يوافي ما تزايد من النعم) لأنه سبحانه ابتدأ بالنعم، إذ أَوْجَدَنا بعد العَدَم، ومَنَّ علينا بالإسلام والإيمان في سالف القِدَم، ثم أَهَلنا ووفقنا لسلوك سُنن العلماء المقتدين بسيد العرب والعجم، سيدنا محمد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم وشرَّفَ وكرَّمَ.

والحمد والشكر عند ثعلب مترادفان؛ وهو موافق لظاهر قول سيبويه.

قال أبو الحسن بن أبي الربيع -رَحِمَهُ اللهُ-: "وأكثر اللغويين فرقوا بينهما" وأشار إلى ما قدمناه، ثم قال: "ولعل التفرقة إنما جاءت بعُرْفِ الاستعمال؛ وفي أصل اللغة هما بمعنى واحد وهما مَصْدَرَان، والأصل في المصدر ألا يُجْمَع".

وحكى ابن الأعرابي جمع الحمد على أَحْمُد فقال:

وأملح (?) محمود الثناء خصصته ... بأفضل أقوالي وأفضل أَحْمُدي

والظاهر أن قوله: (حمدًا) معمول بفعل (?) مقدر مدلول عليه بما تقدم فهو مَصْدَرٌ؛ أي: أحمده حمدًا، ويحتمل أن يكون معمولًا للمقدر الذي تعلق به الجار والمجرور، أي: الحمد ثابت لله حالة الحمد الموافي المتزايد من النعم.

ويكون قوله: (ما تزايد من النعم) مشيرًا به إلى ثبوت الحمد لله تعالى واستمراره له في سائر الأحوال.

ومعنى يوافي: يلاقي؛ ما تزايد من النعم أي: فتحصل معها، وقد سلك في هذا ما قاله المتأخرون من أصحاب الشافعي الخراسانيين رضي الله تعالى عنهم وعن العلماء أجمعين: لو حلف إنسان ليحمدن الله تعالى بمجامع الحمد - ومنهم من قال بأجل التحاميد - فطريقه في بر يمينه أن يقول: الحمدُ لله حمدًا يوافي نِعَمَهُ ويكافئ مزيده (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015