فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ يَدَعْهَا حَتَّى تَحِيضَ وَتَطْهُرَ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا، ثُمَّ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا إنْ أَحَبَّ».

«وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِابْنِهِ إنَّك أَخْطَأَتْ السُّنَّةَ مَا هَكَذَا أَمَرَك اللَّهُ تَعَالَى إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَسْتَقْبِلَ الطُّهْرَ اسْتِقْبَالًا وَتُطَلِّقَ لِكُلِّ قُرْءٍ وَاحِدَةً فَتِلْكَ الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُطَلِّقَ لَهَا النِّسَاءَ» يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق: 1] وَبَيَانُهُ أَنَّهُ تَعَالَى قَابَلَ الطَّلَاقَ بِالْعِدَّةِ وَهُمَا ذُو عَدَدٍ فَيُقْسَمُ آحَادُ أَحَدِهِمَا عَلَى آحَادِ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ أَعْطِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَكَانَ هَذَا أَمْرًا بِالتَّفْرِيقِ وَأَقَلُّهُ الْإِبَاحَةُ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ الطَّلَاقَ مَحْظُورٌ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ، بَلْ مُبَاحٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا فَنَقُولُ إنَّهُ يُسْتَبَاحُ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ إلَى إيقَاعِ الثَّلَاثِ ثَابِتَةٌ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَلَا يَقَعُ فِي عِدَّتِهَا بِالْمُرَاجَعَةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَاجَةِ لِخَفَاءِ تَنَافُرِ الطِّبَاعِ وَتَبَايُنِ الْأَخْلَاقِ فَأُقِيمَ دَلِيلُ الْحَاجَةِ وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ مَقَامَهَا كَمَا فِي الطَّلْقَةِ الْأُولَى وَالْحَاجَةُ مُتَكَرِّرَةٌ نَظَرًا إلَى دَلِيلِهَا فَيُدَارُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَى آخِرِ الطُّهْرِ كَيْ لَا تَتَضَرَّرَ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، وَقِيلَ يُطَلِّقُهَا عَقِيبَ الطُّهْرِ كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوَقَاعِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

(وَثَلَاثًا فِي طُهْرٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعِيٌّ) أَيْ تَطْلِيقُهَا ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ طَلَاقٌ بِدْعِيٌّ، وَكَذَلِكَ الثِّنْتَانِ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ثَلَاثًا فِي طُهْرٍ إذَا لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ التَّطْلِيقَتَيْنِ رَجْعَةٌ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ فَلَا يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِنْ تَخَلَّلَ التَّزَوُّجُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ الثَّلَاثُ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ أَوْ بِكَلِمَةٍ بِدْعَةً؛ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ وَهُوَ لَا يُجَامِعُ الْحَظْرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ أَوْ فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ؛ لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ.

وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّفْرِيقِ وَالْإِيقَاعُ جُمْلَةً يُضَادُّهُ، فَيَكُونُ مُفَوِّتًا لِلْمَأْمُورِ بِهِ، فَيَكُونُ بِدْعَةً ضَرُورَةً وَفِي مُصَنَّفِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي حَدِيثِ «ابْنِ عُمَرَ قَالَ قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، قَالَ: إذًا قَدْ عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك»؛ وَلِأَنَّ الطَّلَاقَ إنَّمَا جُعِلَ مُتَعَدِّدًا لِيُمْكِنَهُ التَّدَارُكُ عِنْدَ النَّدَمِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ تَفْوِيتُهُ كَمَا قُلْنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ؛ لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ فَلَعَلَّهُ يَنْدَمُ فِي زَمَانِ الطُّهْرِ عِنْدَ تَوَقَانِ النَّفْسِ إلَى الْجِمَاعِ فَلَا يَمْلِكُ تَفْوِيتَ مَا جَعَلَ الشَّرْعُ نَظَرًا لَهُ وَلَا يُقَالُ إنَّمَا كُرِهَ فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَجْلِ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَوْ طَلَّقَهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ بَعْدَ مَا طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْهَا فِيهِ كَانَ مَكْرُوهًا، وَلَيْسَ فِيهِ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ «أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ جَمِيعًا فَقَامَ غَضْبَانَ، ثُمَّ قَالَ أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ»، ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ، رَوَاهُ النَّسَائِيّ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا يُطَلِّقُ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ يَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ، ثُمَّ يَقُولُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ اللَّهُ {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وَإِنَّك لَمْ تَتَّقِ اللَّهَ فَلَمْ أَجِدْ لَك مَخْرَجًا عَصَيْت رَبَّك وَبَانَتْ مِنْك امْرَأَتُك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: وَهُوَ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي زَمَنِ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ) أَيْ وَهُوَ الطُّهْرُ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ اهـ. قَالَ الْأَتْقَانِيُّ: وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الطُّهْرَ الْخَالِي عَنْ الْجِمَاعِ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ زَمَانُ النَّفْرَةِ، وَكَذَا الطُّهْرُ إذَا وُجِدَ فِيهِ الْجِمَاعُ تَفْتُرُ رَغْبَةُ الرَّجُلِ فِيهَا فَلَا يَكُونُ الْإِقْدَامُ عَلَى الطَّلَاقِ فِي الْحَيْضِ أَوْ فِي الطُّهْرِ بَعْدَ الْجِمَاعِ دَلِيلُ الْحَاجَةِ فَلَا يَكُونُ مُبَاحًا اهـ. (قَوْلُهُ: ثُمَّ قِيلَ يُؤَخِّرُ الطَّلْقَةَ الْأُولَى إلَخْ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ: ثُمَّ قِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَ الْإِيقَاعَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ احْتِرَازًا عَنْ تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُطَلِّقُهَا كَمَا طَهُرَتْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا، وَمَنْ قَصْدُهُ التَّطْلِيقُ فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ اهـ.

فَقَوْلُهُ: يُطَلِّقُهَا كُلَّمَا طَهُرَتْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الشَّارِحِ عَقِيبَ الطُّهْرِ إذْ رُبَّمَا أَوْهَمَ قَوْلُهُ: عَقِيبَ الطُّهْرِ الْحَيْضَ إذْ لَا يَعْقُبُ الطُّهْرَ إلَّا الْحَيْضُ لَكِنْ هَذَا لَيْسَ بِمُرَادٍ، بَلْ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ عَقِيبَ الطُّهْرِ عَقِيبَ أَوَّلِ الطُّهْرِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ. اك (قَوْلُهُ: كَيْ لَا يُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ إلَخْ) يَعْنِي لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ إلَى آخِرِ الطُّهْرِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُجَامِعَ؛ لِأَنَّ الطُّهْرَ زَمَانُ تَجَدُّدِ الرَّغْبَةِ فَإِذَا جَامَعَ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا يُبْتَلَى الزَّوْجُ بِالطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ ضَرُورَةً اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ الْأَظْهَرُ) أَيْ الْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُطَلِّقَهَا ثَلَاثًا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً إذَا طَهُرَتْ وَرَجَّحَهُ بِأَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رُبَّمَا يُجَامِعُهَا فِيهِ، وَمَنْ قَصْدُهُ تَطْلِيقُهَا فَيُبْتَلَى بِالْإِيقَاعِ عَقِيبَ الْوِقَاعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَقَلُّ ضَرَرًا فَكَانَ أَوْلَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

فَتْحٌ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ قَالَ فِي خُلَاصَةِ الْفَتَاوَى وَاخْتَارَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا تَأْخِيرَ الطَّلَاقِ إلَخْ، ثُمَّ قَالَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ.

(قَوْلِهِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَكُونُ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا أَعْرِفُ فِي الْجَمْعِ بِدْعَةً وَلَا فِي التَّفْرِيقِ سُنَّةً، بَلْ الْكُلُّ مُبَاحٌ وَرُبَّمَا يَقُولُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً سُنَّةٌ حَتَّى إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ وَقَعَ الْكُلُّ فِي الْحَالِ عِنْدَهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَنَا يُعْتَبَرُ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ التَّفْرِيقُ كَالْوَقْتِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُعْتَبَرُ الْوَاحِدَةُ وَالْوَقْتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُعْتَبَرُ الْوَقْتُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الْعَدَدِ اهـ.

(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْحَظْرَ فِيهِ لِغَيْرِهِ) أَيْ وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ وَتَلْبِيسُ وَجْهِ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا أَهُوَ بِالْأَقْرَاءِ أَوْ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ الْحَبَلِ فِي الثَّانِي قَوْلُهُ: وَهُوَ تَطْوِيلُ الْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي الْأَوَّلِ أَيْ لِأَنَّ الْحَيْضَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ لَيْسَ بِمَحْسُوبٍ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْإِجْمَاعِ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا زَمَانُ النَّفْرَةِ) أَيْ نَفْرَةِ الطَّبِيعَةِ لِتَلَوُّثِهَا بِالدَّمِ (قَوْلُهُ: كَانَ مَكْرُوهًا) أَيْ بِاتِّفَاقٍ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَطْوِيلٌ وَلَا تَلْبِيسٌ اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: «أَيُلْعَبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى») وَاللَّعِبُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ بِهِ حَرَامٌ فَيَكُونُ إيقَاعُ الثَّلَاثِ جُمْلَةً حَرَامًا اهـ أَتْقَانِيٌّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015