وَلَبَنُ الرَّجُلِ وَالشَّاةِ) أَيْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لَا تُوجِبُ الْحُرْمَةَ أَمَّا الِاحْتِقَانُ بِاللَّبَنِ؛ فَلِأَنَّ النُّشُوءَ لَا يُوجَدُ فِيهِ وَالتَّحْرِيمُ بِاعْتِبَارِهِ وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِالْغِذَاءِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْلَى لَا مِنْ الدُّبُرِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ قُلْنَا الْفِطْرُ يَتَعَلَّقُ بِالْوُصُولِ إلَى الْجَوْفِ، وَالْمُحَرِّمُ فِي الرَّضَاعِ مَعْنَى النُّشُوءِ وَلَا يُوجَدُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ أَقْطَرَ فِي أُذُنِهِ أَوْ وَصَلَ إلَى جَائِفَةٍ أَوْ آمَّةٍ، وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ لَا تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَالسَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يَثْبُتُ بِهِمَا التَّحْرِيمُ بِالِاتِّفَاقِ لِحُصُولِ النُّشُوءِ بِهِمَا، وَأَمَّا لَبَنُ الرَّجُلِ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنٍ عَلَى التَّحْقِيقِ فَإِنَّ اللَّبَنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْوِلَادَةُ فَصَارَ كَمَا إذَا نَزَلَ مِنْ ثَدْيِ الْبِكْرِ مَاءٌ أَصْفَرُ.

وَأَمَّا لَبَنُ الشَّاةِ؛ فَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِوَاسِطَةِ شُبْهَةِ الْجُزْئِيَّةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْمُرْضِعَةُ، ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَلَا جُزْئِيَّةَ بَيْنَ الْآدَمِيِّ وَالْبَهَائِمِ وِلَادًا فَكَذَا رَضَاعًا فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهَا وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ صَاحِبَ الْأَخْبَارِ دَخَلَ بُخَارَى وَجَعَلَ يُفْتِي فَقَالَ لَهُ أَبُو حَفْصٍ الْكَبِيرُ لَا تَفْعَلْ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ نُصْحَهُ حَتَّى اُسْتُفْتِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَأَفْتَى بِثُبُوتِ الْحُرْمَةِ بَيْنَ صَبِيَّيْنِ ارْتَضَعَا مِنْ لَبَنِ شَاةٍ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ أَرْضَعَتْ ضَرَّتَهَا حُرِّمَتَا) وَمَعْنَاهُ كَانَتْ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ الْكَبِيرَةُ الصَّغِيرَةَ حُرِّمَتَا عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ رَضَاعًا فَلَا يَجُوزُ كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا مَهْرَ لِلْكَبِيرَةِ إنْ لَمْ يَطَأْهَا)؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا حَتَّى لَوْ لَمْ تَجِئْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا بِأَنْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُكْرَهَةً أَوْ نَائِمَةً فَارْتَضَعَتْهَا الصَّغِيرَةُ أَوْ أَخَذَ رَجُلٌ لَبَنَ الْكَبِيرَةِ فَأَوْجَرَ بِهِ الصَّغِيرَةَ أَوْ كَانَتْ الْكَبِيرَةُ مَجْنُونَةً لَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ لِعَدَمِ إضَافَةِ الْفُرْقَةِ إلَيْهَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُهُ) أَيْ لِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّ الْفُرْقَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا مِنْ قِبَلِهَا وَلَا يُقَالُ الِارْتِضَاعُ فِعْلُهَا وَالْفُرْقَةُ بِاعْتِبَارِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ فِعْلُهَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي إسْقَاطِ حَقِّهَا؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ إنَّمَا يَسْقُطُ جَزَاءً عَلَى الْفِعْلِ، وَالصَّغِيرَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ الْمُجَازَاةِ عَلَى الْفِعْلِ فَلَا يَسْقُطُ مَهْرُهَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهَا وَلَا تُحْرَمُ عَنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ حَتَّى لَوْ وُجِدَ فِي الْكَبِيرَةِ أَيْضًا مَا يَمْنَعُ اعْتِبَارَ فِعْلِهَا كَالْجُنُونِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَا يَسْقُطُ حَقُّهَا.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكَبِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِلَّا فَلَا) أَيْ يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْكَبِيرَةِ بِنِصْفِ الْمَهْرِ الَّذِي لَزِمَهُ لِلصَّغِيرَةِ إنْ تَعَمَّدَتْ الْفَسَادَ وَإِنْ لَمْ تَتَعَمَّدْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا، وَعَنْ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا أَكَّدَتْ مَا كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ وَهُوَ نِصْفُ الْمَهْرِ، وَالتَّأْكِيدُ جَارٍ مَجْرَى الْإِتْلَافِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا. وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ فَإِنَّهَا بَاشَرَتْ الْإِرْضَاعَ وَهُوَ لَيْسَ بِمَوْضُوعٍ لِإِفْسَادِ النِّكَاحِ، بَلْ هُوَ سَبَبٌ مَوْضُوعٌ لِلْجُزْئِيَّةِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ الْفَسَادُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِاتِّفَاقِ الْحَالِ، وَالْمُسَبِّبُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي دَارِهِ لَا يَضْمَنُ مَا وَقَعَ فِيهَا وَإِنْ حَفَرَ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُ، وَلَوْ رَمَى سَهْمًا فِي دَارِهِ يَضْمَنُ مَا أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ عِلَّةٌ وَضْعًا فَلَا يَبْطُلُ حُكْمُهُ بِالْعُذْرِ، وَالتَّسْبِيبُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَإِنَّمَا جُعِلَ فِي حُكْمِ الْعِلَّةِ صِيَانَةً لِلدَّمِ عَنْ الْهَدَرِ وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا صَلَحَ عِلَّةً لِضَمَانِ الْعُدْوَانِ، وَالْحَفْرُ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلتَّلَفِ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي مَعْنَى الْعِلَّةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا حَفْرُهُ لَمَا وَقَعَ فِيهِ إذْ الْوُقُوعُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي مَكَان خَالٍ عَنْ الْأَجْسَامِ الْكَثِيفَةِ فَهُوَ مُحَصِّلُ مَحَلِّ الْوُقُوعِ، وَالثِّقَلُ عِلَّةُ السُّقُوطِ وَهُوَ عِلَّةُ التَّلَفِ، ثُمَّ أُضِيفَ الْحُكْمُ مَعَ هَذَا إلَى مُحَصِّلِ الشَّرْطِ وَهُنَا الْمُرْضِعَةُ لَيْسَتْ بِصَاحِبَةِ عِلَّةِ فَسَادِ النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ فَسَادَهُ بِالْجُزْئِيَّةِ، وَسَبَبُهَا الِارْتِضَاعُ إلَّا أَنَّهُ لَوْلَا الْإِرْضَاعُ لَمْ يُوجَدْ مَحَلُّ الِارْتِضَاعِ فَصَارَتْ مُحَصِّلَةَ مَحَلِّ عِلَّةِ الْفَسَادِ فَيُضَافُ الْفَسَادُ إلَيْهَا بِوَصْفِ التَّعَدِّي، وَالْإِرْضَاعُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِتَعَدٍّ؛ لِأَنَّهُ فَرْضٌ إنْ خَافَتْ هَلَاكَ الصَّغِيرَةِ، وَمَنْدُوبٌ إنْ كَانَتْ

ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمَوْتِ فَلَمْ تُتَصَوَّرْ الْجُزْئِيَّةُ بِخِلَافِ الْجُزْئِيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الرَّضَاعِ؛ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ فِي ارْتِضَاعِ لَبَنِ الْمَيْتَةِ اهـ.

كَمَالٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (قَوْلُهُ: وَلَوْ أَقْطَرَ فِي إحْلِيلِهِ إلَخْ) وَالْإِقْطَارُ فِي الْإِحْلِيلِ غَايَةُ مَا يَصِلُ إلَى الْمَثَانَةِ فَلَا يَتَغَذَّى بِهِ الصَّبِيُّ، وَكَذَا فِي الْأُذُنِ لِضِيقِ الثَّقْبِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِتَصْرِيحِهِمْ بِالْفِطْرِ بِإِقْطَارِ الدُّهْنِ فِي الْأُذُنِ لِسَرَيَانِهِ فَيَصِلُ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ ضِيقٌ وَالْأَوْجَهُ كَوْنُهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَغَذَّى بِهِ وَيُنْبِتُ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ رِفْقٌ مِنْ تَرْطِيبٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُفْسِدُ فِي الصَّوْمِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْحَصَى وَالْحَدِيدِ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَحَكَى شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الْبُخَارِيَّ) أَيْ مُحَمَّدَ بْنَ إسْمَاعِيلَ اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَأَخْرَجُوهُ مِنْ بُخَارَى) وَذَكَرَ الْعِمَادِيُّ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ وَالثَّلَاثِينَ أَنْ سَبَبَ إخْرَاجِهِ قَوْلُهُ: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ اهـ.

(قَوْلُهُ: كَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَسَبًا)، ثُمَّ حُرْمَةُ الْكَبِيرَةِ حُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ امْرَأَتِهِ وَالْعَقْدُ عَلَى الْبِنْتِ يُحَرِّمُ الْأُمَّ، وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي أَرْضَعَتْهَا بِهِ الْكَبِيرَةُ نَزَلَ لَهَا مِنْ وَلَدٍ وَلَدَتْهُ لِلرَّجُلِ كَانَ حُرْمَتُهَا أَيْضًا مُؤَبَّدَةً كَالْكَبِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ أَبًا لَهَا وَإِنْ كَانَ نَزَلَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ قَبْلَهُ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ هَذَا الرَّجُلَ وَهِيَ ذَاتُ لَبَنٍ مِنْ الْأَوَّلِ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا ثَانِيًا لِانْتِفَاءِ أُبُوَّتِهِ لَهَا إلَّا إنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكَبِيرَةِ فَيَتَأَبَّدُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الدُّخُولَ بِالْأُمِّ يُحَرِّمُ الْبِنْتَ اهـ.

(قَوْلُهُ: فَصَارَ كَرِدَّتِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا) وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا كَمَالُ الْمَهْرِ لَكِنْ لَا نَفَقَةَ عِدَّةٍ لَهَا لِجِنَايَتِهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مَجْنُونَةً وَنَحْوَهَا اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا تُحْرَمُ مِنْ الْإِرْثِ بِالْقَتْلِ) أَيْ بِقَتْلِهَا مُوَرِّثَهَا اهـ. (قَوْلُهُ: وَعَنْ مُحَمَّدٍ إلَخْ) وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُهُمَا: اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا) أَيْ يَضْمَنُونَ نِصْفَ الْمَهْرِ لِذَلِكَ اهـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّهَا مُسَبِّبَةٌ لَا مُبَاشِرَةٌ) أَيْ لِأَنَّ إلْقَاءَ الثَّدْيِ شَرْطُ الْفَسَادِ لَا عِلَّةٌ لَهُ، بَلْ الْعِلَّةُ فِعْلُ الصَّغِيرَةِ الِارْتِضَاعَ فَكَانَتْ الْكَبِيرَةُ مُبَاشِرَةً لِلشَّرْطِ الْعَقْلِيِّ اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: بِاتِّفَاقِ الْحَالِ) أَيْ وَهِيَ صَيْرُورَتُهَا بِنْتًا، وَأَمَّا تَحْتَ رَجُلٍ اهـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015