قَالَ «فِي دِيَةِ الْخَطَأِ عِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ ذَكَرٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَالشَّافِعِيُّ أَخَذَ بِمَذْهَبِنَا غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ عِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ مَخَاضٍ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَخَفُّ لِإِقَامَةِ ابْنِ مَخَاضٍ مَقَامَ ابْنِ لَبُونٍ فَكَانَ أَلْيَقُ بِحَالِ الْمُخْطِئِ؛ وَلِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ ابْنَ اللَّبُونِ بِمَنْزِلَةِ بِنْتِ الْمَخَاضِ فِي الزَّكَاةِ حَيْثُ أَخَذَهُ مَكَانَهَا فَإِيجَابُ عِشْرِينَ مِنْهُ مَعَ الْعِشْرِينَ مِنْ بِنْتِ الْمَخَاضِ كَإِيجَابِ أَرْبَعِينَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَذَلِكَ لَا يَلِيقُ، بَلْ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّغَايُرِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يُرِدْ بِتَغَيُّرِ أَسْنَانِ الْإِبِلِ إلَّا التَّخْفِيفَ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِيهِ التَّخْفِيفُ فَلَا يَجُوزُ. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ) أَيْ الدِّيَةُ مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الدِّيَةُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - «أَنَّ رَجُلًا قُتِلَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دِيَتَهُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهَا مِنْ الدَّنَانِيرِ أَلْفُ دِينَارٍ وَكَانَتْ قِيمَةُ الدِّينَارِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَضَى بِالدِّيَةِ فِي قَتِيلٍ بِعَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ» وَمَا قُلْنَا أَوْلَى لِلتَّيَقُّنِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ أَوْ يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ وَهَكَذَا كَانَتْ دَرَاهِمُهُمْ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى زَمَانِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلَى مَا حَكَاهُ الْخَبَّازِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَتْ الدَّرَاهِمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَةً الْوَاحِدُ مِنْهَا وَزْنُ عَشَرَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ عَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَهُوَ قَدْرُ الدِّينَارِ وَالثَّانِي وَزْنُ سِتَّةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ سِتَّةِ دَنَانِيرَ وَالثَّالِثُ وَزْنُ خَمْسَةٍ أَيْ الْعَشَرَةُ مِنْهُ وَزْنُ خَمْسَةِ دَنَانِيرَ فَجَمَعَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَيْنَ الثَّلَاثَةِ فَخَلَطَهُ فَجَعَلَهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَصَارَ ثُلُثُ الْمَجْمُوعِ دِرْهَمًا فَكَشَفَ هَذَا أَنَّ الدِّينَارَ عِشْرُونَ قِيرَاطًا فَوَزْنُ الْعَشَرَةِ يَكُونُ مِثْلَهُ عِشْرِينَ قِيرَاطًا ضَرُورَةَ اسْتِوَائِهِمَا وَوَزْنُ السِّتَّةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ وَعَشَرَةً، فَيَكُونُ اثْنَيْ عَشَرَ قِيرَاطًا وَوَزْنُ الْخَمْسَةِ يَكُونُ نِصْفَ الدِّينَارِ، فَيَكُونُ عَشَرَةُ قَرَارِيطَ، فَيَكُونُ الْمَجْمُوعُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا، فَإِذَا جَعَلْتهَا أَثْلَاثًا صَارَ كُلُّ ثُلُثٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا وَهُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ دِرْهَمُهُمْ، فَإِذَا حُمِلَ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى وَزْنِ خَمْسَةٍ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَلَى وَزْنِ سِتَّةٍ اسْتَوَيَا وَاَلَّذِي يُرَجِّحُ مَذْهَبَنَا مَا رُوِيَ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْجَنِينِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ دِيَةِ الْأُمِّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعِنْدَنَا عُشْرُ دِيَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَنِصْفُ الْعُشْرِ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ دِيَةَ الْأُمِّ خَمْسَةُ آلَافٍ وَدِيَةَ الرَّجُلِ ضَعْفُ ذَلِكَ وَهُوَ عَشَرَةُ آلَافٍ؛ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا أَنَّهَا مِنْ الذَّهَبِ أَلْفُ دِينَارٍ وَالدِّينَارُ مُقَوَّمٌ فِي الشَّرْعِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَلَا تَرَى أَنَّ نِصَابَ الْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ مُقَدَّرٌ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَنِصَابَ الذَّهَبِ فِيهَا بِعِشْرِينَ دِينَارًا، فَيَكُونُ غَنِيًّا بِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ الزَّكَاةُ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْغَنِيِّ فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ عِلْمًا ضَرُورِيًّا أَنَّ الدِّينَارَ مُقَوَّمٌ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ الْخِيَارُ فِي هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إلَّا الْقَاتِلَ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ الْخِيَارُ إلَيْهِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلَا تَثْبُتُ الدِّيَةُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -، وَقَالَا يَجِبُ مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ فِي الدِّيَةِ عَلَى أَهْلِ الْإِبِلِ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ». رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقْضِي بِذَلِكَ عَلَى أَهْلِ كُلِّ مَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَكُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ وَلَهُ أَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ بِشَيْءٍ مَعْلُومِ الْمَالِيَّةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مَجْهُولَةُ الْمَالِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يُقَدَّرُ بِهَا ضَمَانُ الْمُتْلَفَاتِ وَالتَّقْدِيرُ بِالْإِبِلِ عُرِفَ بِالْآثَارِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا فَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْقِيَاسِ وَالْآثَارِ الَّتِي وَرَدَتْ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقَضَاءَ بِهَا بِطَرِيقِ الصُّلْحِ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً، وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ عَلَى الزِّيَادَةِ عَلَى مِائَتَيْ حُلَّةٍ أَوْ عَلَى مِائَتَيْ بَقَرَةٍ لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا

. قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَكَفَّارَتُهُمَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ) أَيْ كَفَّارَةُ الْقَتْلِ خَطَأً

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: فَجَمَعَ عُمَرُ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ) أَيْ أَخَذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ دِرْهَمًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَذَكَرَ فِي الْمَعَاقِلِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ مَا نَصُّهُ وَقَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ صَالَحَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ حُلَّةٍ فَالْفَضْلُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَوْلَا أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الدِّيَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ، وَلَوْ صَالَحَ مَعَ الْعَاقِلَةِ أَوْ مَعَ الْقَاتِلِ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ (قَوْلُهُ: لَا يَجُوزُ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ قَوْلُهُمَا) أَيْ تَأْوِيلُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015