قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ جِنْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا وَإِذَا كَانَ فِيهَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ أَكْثَرَ وَإِنَّ احْتِمَالَهُ أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ هُوَ احْتِمَالُ الِاحْتِمَالِ فَنَزَلَ إلَى شُبْهَةِ الشُّبْهَةِ فَالشُّبْهَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ دُونَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصُّلْحَ مَعَ جَهَالَةِ التَّرِكَةِ يَجُوزُ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لَا يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ فَلَا يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ، أَوْ بَعْضُهَا لَا يَجُوزُ حَتَّى يَصِيرَ جَمِيعُ مَا فِي يَدِهِ مَعْلُومًا لِلْحَاجَةِ إلَى التَّسْلِيمِ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَوْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بَطَلَ الصُّلْحُ وَالْقِسْمَةُ)؛ لِأَنَّ الْوَرَثَةَ لَا يَمْلِكُونَ التَّرِكَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ الْمُسْتَغْرِقَ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِ التَّرِكَةِ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّ حَاجَتَهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْإِرْثِ، وَلَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَفَالَةٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ وَهُوَ الْمَيِّتُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً فَيَخْلُو مَالُ الْمَيِّتِ عَنْ الدَّيْنِ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَغْرِقًا بِالدَّيْنِ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَقْسِمُوهُ أَوْ يُصَالِحُوا عَنْهُ، وَإِنْ فَعَلُوا ذَلِكَ جَازَ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ التَّرِكَةِ مَشْغُولٌ بِالدَّيْنِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالصَّرْفِ إلَى جُزْءٍ دُونَ جُزْءٍ فَصَارَ كَالْمُسْتَغْرِقِ فَيُمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو عَنْ دَيْنٍ قَلِيلٍ فَلَوْ مَنَعَ غَيْرُ الْمُسْتَغْرَقِ مِنْهُ تَمَلُّكَ الْوَارِثِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ، أَوْ إلَى أَنْ لَا يَمْلِكُوا أَصْلًا فَقُلْنَا بِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَّا أَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ مِنْ التَّرِكَةِ قَدْرَ الدَّيْنِ وَيُتْرَكُ حَتَّى يُقْضَى بِهِ الدَّيْنُ كَيْ لَا يَحْتَاجُوا إلَى نَقْضِ الْقِسْمَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[كتاب المضاربة]

(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (هِيَ شَرِكَةٌ بِمَالٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَمَلٌ مِنْ جَانِبٍ) يَعْنِي: الْمُضَارَبَةُ عَقْدُ شَرِكَةٍ بِمَالٍ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَعَمَلٌ مِنْ الْآخَرِ هَذَا فِي الشَّرْعِ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ حَتَّى لَوْ شَرَطَا فِيهَا الرِّبْحَ لِأَحَدِهِمَا لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً عَلَى مَا نُبَيِّنُ وَقِيلَ: هِيَ عِبَارَةٌ عَنْ دَفْعِ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا فَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ بِسَبَبِ مَالِهِ؛ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَلِلْمُضَارِبِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ تَسَبُّبٌ لِوُجُودِ الرِّبْحِ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ مُفَاعَلَةٌ مِنْ الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ، وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] يَعْنِي الَّذِينَ يُسَافِرُونَ لِلتِّجَارَةِ

وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ يَسِيرُ فِي الْأَرْضِ غَالِبًا لِطَلَبِ الرِّبْحِ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20] وَهُوَ الرِّبْحُ وَأَهْلُ الْحِجَازِ يُسَمُّونَ هَذَا الْعَقْدَ مُقَارَضَةً وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرْضِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ يَقْطَعُ قَدْرًا مِنْ مَالِهِ وَيُسَلِّمُهُ لِلْعَامِلِ، وَأَصْحَابُنَا اخْتَارُوا لَفْظَةَ الْمُضَارَبَةِ لِكَوْنِهَا مُوَافِقَةً لِمَا تَلَوْنَا مِنْ نَظْمِ الْآيَةِ، وَهِيَ مَشْرُوعَةٌ لِشِدَّةِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ صَاحِبُ مَالٍ وَلَا يَهْتَدِي إلَى التَّصَرُّفِ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ بِالْعَكْسِ فَشُرِعَتْ لِتَنْتَظِمَ مَصَالِحُهُمْ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَهَا فَتَرَكَهُمْ عَلَيْهَا وَتَعَامَلَهَا الصَّحَابَةُ

أَلَا تَرَى إلَى مَا يُرْوَى أَنَّ «عَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ كَانَ إذَا دَفَعَ مَالًا مُضَارَبَةً شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَسْلُكَ بِهِ بَحْرًا وَأَنْ لَا يَنْزِلَ وَادِيًا وَلَا يَشْتَرِيَ ذَاتَ كَبِدٍ رَطْبٍ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ضَمِنَ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ) فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ. اهـ.

(قَوْلُهُ فَتَصِيرُ حَوَالَةً)؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ إذَا كَانَتْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَانَتْ حَوَالَةً فَيَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَفِيلُ فَتَخْلُو التَّرِكَةُ عَنْ الدَّيْنِ فَتَنْفُذُ الْقِسْمَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ اهـ أَتْقَانِيٌّ.

[كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ]

(كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ) وَالْأَصْلُ فِي جَوَازِ الْمُضَارَبَةِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْآثَارُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ ثُمَّ قَالَ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَاءُ الدِّينِ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ عَقْدُ الْمُضَارَبَةِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ اسْتِئْجَارُ الْعَامِلِ بِأَجْرٍ مَجْهُولٍ أَوْ مَعْدُومٍ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ فَسَدَ كَانَ إجَارَةً بِالْإِجْمَاعِ وَجَهَالَةُ الْعَمَلِ وَالْأَجْرِ تُوجِبُ فَسَادَ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا وَجَوَّزْنَاهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَمَلٌ) هَكَذَا ضَبَطَهُ الشَّارِحُ بِالرَّفْعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالشَّرِكَةِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْمُضَارِبَ لَا شَرِكَةَ لَهُ فِي رَأْسِ الْمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَكُونُ مُضَارَبَةً) أَيْ بَلْ بِضَاعَةً إنْ شَرَطَ جَمِيعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ أَوْ قَرْضًا إنْ شَرَطَ لِلْمُضَارِبِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هِيَ دَفْعُ الْمَالِ إلَى الْغَيْرِ لِيَتَّجِرَ بِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ فِيهِ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ السَّيْرُ فِيهَا) أَيْ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْعَاقِدَيْنِ حُصُولُ الرِّبْحِ وَلَنْ يَحْصُلَ ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بِالضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ

(قَوْلُهُ {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ} [المزمل: 20] وَقَالَ تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ} [النساء: 101] وَأَطْلَقَ اسْمَ الْمُضَارِبِ عَلَى الْعَامِلِ؛ لِأَنَّهُ ضَارِبٌ فِي الْأَرْضِ لَا عَلَى رَبِّ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ طَالِبٌ لِلضَّرْبِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ عَبَّاسًا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ أَنَّ عَبَّاسَ اهـ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015