فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ وَأَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ حَاضِرًا حَتَّى لَوْ ادَّعَى عَلَى غَائِبٍ لِإِيجَابٍ وَأَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى شَيْئًا مَعْلُومًا لِيُمْكِنَ إثْبَاتُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ الْحُكْمِ بِهِ حَتَّى لَا يَجِبَ الْجَوَابُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى مَجْهُولًا، وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا صَحَّتْ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى صِحَّتِهَا وُجُوبُ إحْضَارِ الْخَصْمِ وَالْمُطَالَبَةُ بِالْجَوَابِ بِلَا أَوْ نَعَمْ وَإِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ إذَا أَنْكَرَ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ لَا يُتْرَكُ إذَا تَرَكَ بَلْ يُجْبَرُ هَذَا لِمَعْرِفَةِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ مَسَائِلُ الدَّعْوَى.

وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ فَمِنْهَا مَا ذُكِرَ هُنَا وَهُوَ حَدٌّ صَحِيحٌ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمَحْدُودِ مَانِعًا مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ فِيهِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْخَارِجِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَسْتَحِقُّ بِقَوْلِهِ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ كَصَاحِبِ الْيَدِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ غَيْرَ الظَّاهِرِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَشْتَمِلُ كَلَامُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَلَا يَصِيرُ خَصْمًا بِالتَّكَلُّمِ فِي النَّفْيِ، فَإِنَّ الْخَارِجَ لَوْ قَالَ لِذِي الْيَدِ: هَذَا الشَّيْءُ لَيْسَ لَك لَا يَكُونُ خَصْمًا وَمُدَّعِيًا مَا لَمْ يَقُلْ هُوَ لِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَشْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى النَّفْيِ فَيُكْتَفَى بِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ ذَا الْيَدِ لَوْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لَك كَانَ خَصْمًا بِهَذَا الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ هُوَ لِي فَضْلَةٌ فِي الْكَلَامِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُدَّعٍ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَهُوَ مُنْكِرٌ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ شَاهِدٌ وَكُلُّ مَنْ يَشْهَدُ بِمَا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فَهُوَ مُقِرٌّ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَصْلِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي وَهَذَا صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى دُونَ الصُّورَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْكَلَامُ مِنْ شَخْصٍ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ فِي الْمَعْنَى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ، فَإِنَّهُ مُدَّعٍ لِلرَّدِّ صُورَةً وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ مَعْنًى فَيُحَلِّفُهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ رَدُّهُ وَلَا ضَمَانُهُ وَلَا يُحَلِّفُهُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ لِيَتَحَقَّقَ الْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْوُجُوبَ عَلَيْهِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا الْمَدِينُ إذَا ادَّعَى قَضَاءَ الدَّيْنِ أَوْ إبْرَاءَ الطَّالِبِ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لِلطَّالِبِ مَعَ أَنَّهُ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّتِهِ وَالْمَدِينُ الْبَرَاءَةَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَمَّا اتَّفَقَا عَلَى وُجُوبِ الدَّيْنِ صَارَ الشَّغْلُ هُوَ الْأَصْلُ وَالْمَدِينُ بِدَعْوَاهُ الْإِيفَاءَ أَوْ الْإِبْرَاءَ صَارَ مُدَّعِيًا خِلَافَ الْأَصْلِ وَالطَّالِبُ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْمُودَعَ أَمِينٌ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي وَضْعِ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا كَمَا فِي الْقَاضِي وَأَمِينِهِ وَكَالْمُطَلَّقَةِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ أَوْ بَقَاءَهَا

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - (وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا عُلِمَ جِنْسُهُ، وَقَدْرُهُ)؛ لِأَنَّ فَائِدَتَهَا الْإِلْزَامُ بِوَاسِطَةِ الْإِشْهَادِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْإِشْهَادُ وَلَا الْإِلْزَامُ فِي الْمَجْهُولِ فَلَا يَصِحُّ وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ عَلَى الْخَصْمِ، فَإِذَا بَيَّنَ جِنْسَهَا وَنَوْعَهَا، وَقَدْرَهَا وَصِفَتَهَا وَسَبَبَ وُجُوبِهَا صَحَّتْ الدَّعْوَى فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَحْكَامُهَا مِنْ وُجُوبِ الْإِحْضَارِ وَالْحُضُورِ وَالْمُطَالَبَةِ بِالْجَوَابِ وَوُجُوبِ الْجَوَابِ وَالْيَمِينِ وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَلُزُومِ إحْضَارِ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى إنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالدَّعْوَى الْمَجْهُولَةِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِفَسَادِهَا، وَإِنَّمَا وَجَبَ إذَا صَحَّتْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48] أَلْحَقَ الْوَعِيدَ بِمَنْ امْتَنَعَ عَنْ الْحُضُورِ بَعْدَمَا طُولِبَ بِهِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْحُضُورَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فِي يَدِ

ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ: أَوْ نَعَمْ) أَيْ فَإِذَا أَجَابَ بِنَعَمْ يَجِبُ مَا ادَّعَاهُ الْمُدَّعِي بِإِقْرَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي أَلِك بَيِّنَةٌ، فَإِنْ قَالَ لَا يَقُولُ لَك يَمِينُهُ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ اسْتَحْلَفَهُ، فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ عَنْ الدَّعْوَى، وَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ الدَّعْوَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ صُورَةُ ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ تُرِكَ وَالْمُنْكِرُ هُوَ الَّذِي إذَا تَرَكَ دَعْوَاهُ لَا يُتْرَكُ اهـ (قَوْلُهُ: كَالْمُودَعِ إلَخْ) سَيَأْتِي قُبَيْلَ قَوْلِهِ وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا قَالَ: إنَّ الْوَدِيعَةَ قَبَضَهَا صَاحِبُهَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ مُنْكِرٌ لِلْوُجُوبِ) أَيْ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ إذْ الْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ. اهـ.

(قَوْلُهُ: وَسَبَبُ وُجُوبِهَا إلَخْ) لِأَنَّ أَحْكَامَ الدُّيُونِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَسْبَابِهَا، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِسَبَبِ السَّلَمِ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ لِيَقَعَ التَّحَرُّزُ عَنْ الِاخْتِلَافِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مَبِيعٍ يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: لِفَسَادِهَا) وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ الْأَئِمَّةَ الثَّلَاثَةَ يُجَوِّزُونَ دَعْوَى الْمَجْهُولِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَإِنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ وَصِيَّةٍ أَوْ إقْرَارٍ، فَإِنَّهُمَا يَصِحَّانِ بِالْمَجْهُولِ وَيَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُشْتَرَطُ لِسَمَاعِ الدَّعْوَى الْمُخَالَطَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ طَبَقَاتِ النَّاسِ وَعَنْ مَالِكٍ لَا تُسْمَعُ دَعْوَى الدَّنِيءِ عَلَى الشَّرِيفِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ بَيْنَهُمَا سَبَبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا) قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي فُصُولِهِ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ: إنَّ الدَّعْوَى لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَقَعَ فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الْعَيْنِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِي الْعَيْنِ فَلَا يَخْلُو إمَّا إنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ مَنْقُولًا.

فَإِنْ كَانَ مَنْقُولًا فَلَا يَخْلُو أَمَّا إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ هَالِكًا، فَإِنْ ادَّعَى مَنْقُولًا قَائِمًا، فَإِنْ أَمْكَنَ إحْضَارُهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ فَالْقَاضِي لَا يَسْمَعُ دَعْوَى الْمُدَّعِي وَلَا شَهَادَةَ شُهُودِهِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ مَا وَقَعَ فِيهِ يُشِيرُ إلَيْهِ الْمُدَّعِي وَالشُّهُودُ لِتَنْقَطِعَ الشَّرِكَةُ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَغَيْرِهِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ فَالْقَاضِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي فِي دَارِهِ وَوَقَعَتْ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابُ دَارِهِ، فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015