هُوِيَّتُنا في خطر

نحن بشر مأنوسون لسنا أرواحًا لطيفة فحسب، ولا أطيافًا عابرة، ومقتضى ذلك أن لنا مظهرًا ماديًّا محسوسًا، وهذا المظهر كما بينا آنفًا شديد الارتباط بالجوهر، وقد جعلت الشريعة الحنيفية تميز الأمة الإسلامية في مظهرها عما عداها من الأم مقصدًا أساسيًا لها، بل إن كل أهل ملة ودين يحرصون على مظهرهم باعتباره معبرًا عن خصائص هويتهم؛ وآية ذلك أنك ترى أتباع العقائد والديانات يجتهدون في التميز، والاختصاص بهوية تميزهم عن غيرهم، وتترجم عن أفكارهم، وترمز إلى عقيدتهم:

لكم "قشرتكم" .. ولنا "قشرتنا"

وهذا أوضح ما يكون في عامة اليهود الذين يتميزون -بصرامة- بطاقيتهم، ولحاهم وأزيائهم الدينية، وفي المتدينين من النصارى الذين يعلقون الصليب، وفي السيخ والبوذيين وغيرهم؛ أليس هذا كله تميزًا صادرًا عن عقيدة ومعبرًا عن الاعتزاز بها؟!

وإذا كانت هذه المظاهر هي صبغة الشيطان التي كسا بها أهل الضلال والكفران، فكيف لا نستمسك بصبغة الرحمن التي حباناها الله عز وجل {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}، لماذا تُقَدَّسُ الحرية الدينية لكل من هَبَّ ودَبَّ وفي نفس الوقت تُشَنُّ الحروب " الاستراتيجية " على المظاهر الِإسلامية كاللحية والحجاب، حتى إنه لتعقد من أجلها برلمانات، وتصدر قرارات، وتثور أزمات، وتُجَيَّش الجيوش، وتُرابِطُ القوات، هذا ونحن أصحاب الدار، و:

كلُّ دارٍ أَحَقُّ بالأهل إلا ... في رديء من الذاهب رِجْسِ

أحرام على بلابله النَّوْحُ ... حلالٌ للطير من كل جنسِ؟

أفكل هذا من أجل ما أسموه " قشورًا "؟ كلا، بل هم يدركون ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015